English

عام 2022، عام الانطلاقة: القوانين التنظيمية التطلعية تبشر بنمو المصرفية المفتوحة في منطقة "مينا"

English

عام 2022، عام الانطلاقة: القوانين التنظيمية التطلعية تبشر بنمو المصرفية المفتوحة في منطقة "مينا"
Abdulla Almoayed. Image courtesy of Tarabut Gateway

مقال رأي بقلم: عبد الله المؤيد، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ "بوابة ترابط"، أكبر منصة مرخصة ومتخصصة في توفير خدمات وحلول البنية التحتية للصيرفة المفتوحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يوضح كيف تسهم اللوائح التنظيمية الحكومية في رسم مستقبل الصيرفة في المنطقة. 

لقى تطبيقات المصرفية المفتوحة اهتماماً متزايداً لدى الجهات التنظيمية في منطقة الشرق الأوسط، فبينما قامت هذه الجهات العام الماضي ببحث الخطوط العريضة لتبني تلك التطبيقات، يستمر هذا العام البحث الموسع في شأنها، وتلوح بوادر التنفيذ في المستقبل القريب، لتصبح الجهات التنظيمية المحرك الرئيسي وراء تبني السوق للمصرفية المفتوحة بشكل واسع. 

إن القيمة المقترحة للمصرفية المفتوحة تكون في أعلى مستوياتها عندما تتوفر أطر عمل تنظيمية واضحة وصريحة وتتمتع بالديناميكية، حيث تتطلب عملية الارتقاء بالبيئة المالية لأن تعمل شركات التكنولوجيا المالية، والمصارف، ومقدمي خدمات الطرف الثالث (TPPs)، بشكل وثيق وسلس دون أية إشكالات أو احتكاكات، والتي قد تعرقل من عملية تطوير المنتجات والخدمات الجديدة. 

ويتصف المشهد التنظيمي في منطقة "مينا" (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) بشكل عام بوتيرة متسارعة من التطوير والتحسين، وفي هذا الإطار، استحدثت سلطة دبي للخدمات المالية خدمة ترخيص تخول حاملها من تقديم خدمات معلومات الحساب (AIS) وأنشطة بدء الدفع (PIS). 

من جهة أخرى، أدخلت المملكة العربية السعودية سياستها المتعلقة بالمصرفية المفتوحة، التي أعلنت عنها عام 2021 حيز التنفيذ كجزء من خطة "رؤية السعودية 2030"، الساعية إلى وضع المملكة في موقع مثالي يتيح لها المساهمة بشكل فعال في الاقتصاد الرقمي العالمي، ومن ضمن جهود البنك المركزي السعودي (ساما) للتشجيع على تبني المصرفية المفتوحة وابتكارات التكنولوجيا المالية، اشتراطه الآن على أن تفتح المصارف واجهات برمجة التطبيقات (APIs) الخاصة بها. 

وعند النظر خارج منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، نرى أن تطبيقات المصرفية المفتوحة أصبحت من ضمن أولويات بعض الدول، ففي مصر مثلاً، وعلى الرغم من أن العمل على الجوانب التنظيمية لم يتخذ صفة رسمية بعد، قام البنك المركزي مؤخراً بتحديث نظام الدفع الإلكتروني الوطني ليزيده مرونة وقابلية لتعددية الاستخدام، وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لتنمية بيئة داعمة للمصرفية المفتوحة، كما قامت المملكة المغربية في هذه الأثناء بتوفير أدوات دفع مصممة خصيصاً لاحتياجات معينة، وهي تقوم حالياً بتطوير إطار عمل للمصرفية المفتوحة، وبالمثل، باشر الأردن بالعمل على المرحلة التحضيرية لتنظيم المصرفية المفتوحة. 

مراكز القوة الاقتصادية الإقليمية تتجه نحو المصرفية المفتوحة: دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية

في خطوة بارزة غير مسبوقة في إبريل الماضي، منحت سلطة دبي للخدمات المالية "بوابة ترابط" أول ترخيص تصدره السلطة في المصرفية المفتوحة. وإن الصفة الشرعية والثقة التي يمنحها الترخيص لمقدمي خدمات المصرفية المفتوحة هي ما يمهد الطريق للتعاون الوثيق بين الفاعلين في النمط القديم السائد والراغبين بتغيير هذا النمط في مجال النظم المالية. 

يقوم أسلوب عمل سلطة دبي للخدمات المالية على إطار عمل للترخيص يمكّن المؤسسات من ممارسة أنشطة معلومات الحساب (AIS) وبدء الدفع (PIS) قبل أن تتضح الجوانب التنظيمية النهائية، وبالمثل، فقد وفر سوق أبوظبي العالمي إطار عمل للترخيص يساعد على رسم الطريق قدماً لقطاعي المصرفية المفتوحة والتمويل المفتوح الناشئين. 

وتماشياً مع التوجه لتحقيق "رؤية 2030" الطموحة لإمارة دبي، أطلق مركز دبي المالي العالمي في 28 من يونيو "مختبر التمويل المفتوح" ليكون حاضنة استكشافية لحلول التمويل المفتوح، بالتعاون مع "بوابة ترابط" كشريك مفضل للمنصات. 

يعمل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي في هذه الأثناء على إعداد التنظيمات الأساسية عالية المستوى، حيث يتشاور مع الحكومة ومع جهات من القطاع الخاص حول آثار القوانين الملزمة والبيئة التنظيمية طويلة الأمد للمصرفية المفتوحة. 

وفي المملكة العربية السعودية، تميز المسار نحو المصرفية المفتوحة هذا العام بالسرعة الفائقة فيما يتعلق بالابتكار على صعيد البيئة المساعدة والمستوى التنظيمي، فبعد دراسة النموذج البريطاني في تنظيم المصرفية المفتوحة، اتخذ البنك المركزي السعودي خطوات جريئة في الشهور الماضية، حيث قام بإعداد قواعد تنظيمية شاملة ومتكاملة تحكم التكنولوجيا المالية وتوجه الخدمات المالية نحو الابتكار، ومن المتوقع أن يتم الإعلان قريباً عن إنشاء نظام لترخيص أنشطة معلومات الحساب (AIS) وبدء الدفع (PIS) في المملكة. 

و تزداد أجواء التآزر في المملكة قوة مع اقتراب موعد "رؤية السعودية 2030" الساعية للتحول إلى اقتصاد وطني مبني على المعرفة، والتي تستمر خطتها في المواءمة ما بين شركات القطاع الخاص والفاعلين الحكوميين لتحقيق أهداف القطاع بطرق مبتكرة، وقد أعلنت المملكة عن عزمها على استبدال الدفع النقدي بالإلكتروني بنسبة 70 بالمئة من مجمل التعاملات المالية بحلول عام 2030 – وتساعد تطبيقات المصرفية المفتوحة على تحقيق هذا التحول عبر تمكينها الدفع الفوري والمباشر بين بنك وبنك آخر، فضلاً عن إزالتها للإشكاليات التي قد تظهر في طرق الدفع الحالية. 

تعد السوق السعودية جذابة من جهة أعداد العملاء المحتملين للتكنولوجيا المالية، فهي تتميز بنسبة عالية من المستخدمين الشباب الذين يتمتعون بمهارات تقنية، ولكن تنقصهم الخدمات، وقد بلغ عدد الشركات الناشئة العاملة في قطاع التكنولوجيا المالية 81 شركة في بدايات عام 2022، ما يشكل زيادة بنسبة 37 بالمئة مقارنة بإجمالي عام 2021.

وأضحت المملكة مركزاً قادراً على الاستمرار والنمو على مستوى مشاريع إقراض النظير إلى النظير (P2P)، حيث يستفيد الفاعلون في هذا المجال من بنية تحتية رقمية حديثة ومبتكرة، ومعايير "اعرف عميلك" الإلكترونية (e-KYC)، إضافة إلى مكتب ائتمان. 

آفاق جديدة – البحرين تحافظ على ريادتها في قطاع التكنولوجيا المالية 

استمرت البحرين، وهي الدولة الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة، في تنمية بيئتها المحلية الخاصة بهذه التكنولوجيا بثبات، وتحدد استراتيجية تطوير الخدمات المالية الصادرة عن مصرف البحرين المركزي الأهداف التنموية للقطاع التي يتوجب تحقيقها بين عامي 2022 و2026. 

شهد شهر يونيو من عام 2022 بدء التطبيق الفعلي لقوانين تتطلب من المؤسسات المالية توفير البيانات الخاصة بمواقع أجهزة الصراف الآلي والفروع، بالإضافة إلى تعاملات الدفع المحلي والدولي – مما يعد خطوة إلى الأمام نحو بيئة البيانات المفتوحة. 

والآن، وبعد أن نجحت في احتضان شركات تكنولوجيا مالية رائدة في المنطقة، توجه البحرين أنظارها خلال عام 2022 وما بعده إلى رفع مستوى الاستثمارات في القطاع، وطرح نسخة رقمية لعملتها "الدينار الرقمي"، وتنفيذ إطار عمل للتمويل المفتوح، راسمة بذلك الخطوة التالية في حركة المصرفية المفتوحة. 

خطى ثابتة نحو التحول – عُمان ومصر

انضمت سلطنة عمان في بداية عام 2022 إلى جيرانها في إعداد استراتيجية للمصرفية المفتوحة باستخدام واجهات برمجة التطبيقات، وتخطط السلطنة ضمن خارطة الطريق التي وضعتها لإنشاء محفزات تُسرع من خلق البيئة الحاضنة للتكنولوجيا، والتي تشمل تفعيل صندوق الاختبارات التنظيمي، وإطار عمل للحوسبة السحابية، بالإضافة إلى مبادرة خاصة بمعايير "اعرف عميلك" الإلكترونية. 

وبالتوازي مع بيئة التكنولوجيا المالية المزدهرة، والنهج التشريعي المبني على المستقبل في منطقة الخليج، حققت مصر أيضاً تقدماً ملموساً في هذا المجال، إذ يدفع البنك المركزي المصري إلى إنشاء منظومة وطنية لتعاملات الدفع الفورية، ومنذ إطلاق تطبيق "انستا باي" في مارس 2022، أصبحت هناك اليوم عشرة بنوك تدعم التوجه في مصر لقيام نظام مصرفي رقمي، وفي شهر مارس، أطلق البنك المركزي المصري مشروع "اعرف عميلك" بهدف تسهيل عملية إنشاء حساب مصرفي إلكتروني، مزيلاً بذلك عقبة رئيسية أمام تبني المصرفية المفتوحة بشكل واسع. 

ماذا ينبئ به المستقبل لبيئة القطاع المالي؟ 

بالنظر إلى التطورات الأخيرة والقائمة، يمكن القول بأن على المبتكرين في مجال التكنولوجيا المالية التطلع قدماً نحو الخطوات التالية في عملية تطبيق المصرفية المفتوحة عبر منطقة "مينا" بأكملها. 

حيث ستشمل الأمثلة على حالات الاستخدام، والتي من المرجح أن تطغى على القطاع في عام 2022، على تعاملات الدفع الرقمي، وتعاملات الدفع الفوري العابرة للحدود، وخدمات "اشتر الآن وادفع لاحقاً" (BNPL)، وخدمات معلومات الحساب (AIS) وبدء الدفع (PIS)، و"اعرف عميلك" (KYC)، والخدمات المصرفية الرقمية الشخصية. وعلى سبيل المثال، ستبلغ النسبة الإجمالية لتعاملات الدفع الإلكترونية التي تتم عبر المحافظ نحو 21 بالمئة بحلول عام 2024، متفوقةً بذلك على تعاملات الدفع عند التسليم. 

فضلاً عن ذلك، ستكون البنية التحتية لواجهات برمجة التطبيقات الخاصة بالمصرفية المفتوحة في نقطة تقاطع جميع حالات الاستخدام هذه، وتعمل "بوابة ترابط" على تمكين المصارف، ومقدمي خدمات الطرف الثالث (TPPs)، وشركات التكنولوجيا المالية من بناء النظام البيئي الصلب والمرن في آن واحد، والذي تتوفر له جميع الضمانات ووسائل الحماية بفضل الإجراءات التنظيمية المبنية على المستقبل – مما يخدم مصالح جميع الأطراف. 

ولن تقتصر المصرفية المفتوحة على خدمات التعاملات والدفع؛ فالتعاون الوثيق الأول من نوعه بين القطاعات هو قائم بشكل فعلي، وهو يتطور نحو نموذج التمويل المفتوح القائم على تبادل البيانات، حيث يتم فيه دمج الاتصالات، وخدمات التأمين، والمرافق العامة، والنقل، والرعاية الصحية معاً. 

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.