English

انتقال الشركات الناشئة المصرية إلى السعودية يشكل حالة قلق ويفتح آفاقاً جديدة في الوقت نفسه

English

انتقال الشركات الناشئة المصرية إلى السعودية يشكل حالة قلق ويفتح آفاقاً جديدة في الوقت نفسه
Image courtesy of Shutterstock

أعلن رجل الأعمال المصري سميح سويرس، الشهر الماضي، أنه يعتزم إيقاف جميع الاستثمارات الجديدة ونقل نشاطه إلى المملكة العربية السعودية. وأثارت تصريحات سويرس موجة انتقادات واسعة من الشعب المصري، ما دفع شقيقه نجيب سويرس للرد على هذه الانتقادات بقوله: "لا يمكن لأحد أن يمس انتماءنا لمصر ومدى حبنا لها الذي يفوق حبنا لأنفسنا".

وجاء قرار سويرس بإيقاف الاستثمارات على خلفية انعدام استقرار الاقتصاد والعملة المصرية، التي هبطت بنسبة 40% أمام الدولار الأمريكي في عام 2022. وطالت تداعيات الانكماش الاقتصادي العالمي مصر بصورة قوية، حيث تراكمت ديون الاقتصاد المصري لتصل إلى 92% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ معدل التضخم 30.7%.

كما تباطأت وتيرة النشاط الاستثماري بين الشركات الناشئة، حيث انحصرت الاستثمارات في الربع الأول من العام الجاري بـ 25 شركة ناشئة فقط مقارنةً بـ 65 شركة العام الماضي. ورغم ارتفاع حجم المبالغ المستثمرة في الربع الأول من هذا العام إلى 427 مليون دولار أمريكي بعد أن كانت 195 مليون دولار العام الماضي، إلا أن ارتفاع مستوى ديون وأسهم شركة "إم إن تي هالان" لوحدها كان له الفضل الأكبر في معظم حجم هذه الاستثمارات بمبلغ يُقدر بحوالي 400 مليون دولار. كما بلغت استثمارات الشركات الناشئة المصرية 1.2 مليون دولار تتوزع على أربع اتفاقيات، بعد أن سجلت استثماراتها 81.25 مليون دولار في 17 اتفاقية شهر مايو العام الماضي، ما يشكل تراجعاً كبيراً بنسبة 98%.

 وأسفر تردّي البيئة الاقتصادية في مصر عن توجه رواد الأعمال نحو استكشاف استراتيجيات إنقاذ لشركاتهم قبل تفاقم المشكلات الاقتصادية، حيث وجدوا أن الحل الأكثر نجاعةً يتمثل في نقل مقرات شركاتهم إلى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي.

وتصدرت دولة الإمارات حتى الآونة الأخيرة قائمة الوجهات الممكنة لاحتضان شركات رواد الأعمال، مستفيدين من وجود العديد من شركات الاستثمار الجريء في دبي، والتي أصبحت الخيار الثاني لدى المستثمرين بعد الرياض.

وشهدت الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إعلان ما لا يقل عن ثلاث شركات ناشئة مصرية نقل مقراتها إلى العاصمة السعودية مع المحافظة على مكاتبها في القاهرة، وتشير التوقعات إلى تزايد عدد هذه الشركات في المستقبل القريب.

قلب الموازين

وفي معرض تعليقه على هذا الموضوع، قال عبد الرحمن شريف، المؤسس المشارك لشركة "تاجر"، إحدى منصات التجارة الإلكترونية الاجتماعية التي نقلت مقرها إلى السعودية في فبراير الماضي: "نؤكد أن الهدف من انتقالنا إلى السعودية يتمحور حول توسيع أعمالنا ونشاطنا التجاري وليس الهروب من الواقع الاقتصادي المصري".

وشدد شريف أن قرار نقل مقر الشركة إلى الرياض يُعزى إلى مساعي "تاجر" للانفتاح على خيارات استثمار أقوى في إطار إطلاقها لجولة استثمار ثانية، حيث نجحت الشركة بجمع 6.4 مليون دولار من جولة الاستثمار الأولي العام الماضي من شركات استثمار أمريكية وسعودية.

وكشفت نور طاهر، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية في "إنتيلا"، شركة التكنولوجيا العميقة المختصة بأبحاث السوق، أن الهدف من انتقال الشركة إلى السعودية في مايو الماضي كان التقرب من شريحة أوسع من العملاء في المملكة.

وفي حديثها مع "ومضة"، قدمت طاهر سبباً مماثلاً لمنصة "تاجر" بخصوص الانتقال إلى المملكة بحيث تكون أقرب إلى أماكن تركز رأس المال. وأوضحت بقولها: "لا شك أن القوة الشرائية لدى المواطن السعودي مرتفعة للغاية في قطاعنا، لذا يشكل اقترابنا من سوقنا الرئيسية خطوةً منطقيةً نظراً لتواجد حوالي 70% من عملائنا في المملكة".

الحوافز

تشكل السعودية أكبر أسواق منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 30 ألف دولار. كما بذلت المملكة جهوداً حثيثةً لترسيخ مكانتها بوصفها وجهة إقليمية وعالمية للمستثمرين ورواد الأعمال الطموحين من مختلف أنحاء العالم. وتأتي مساعي المملكة انطلاقاً من رغبتها في تنويع الاقتصاد غير النفطي، حيث تتوقع أن تساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 35% في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

وأطلقت السعودية عدداً من المبادرات والبرامج الرامية إلى استقطاب أبرز شركات التكنولوجيا في العالم، استناداً إلى رغبتها في احتضان كبرى الشركات في المنطقة والتي تتجاوز قيمتها المليار دولار أمريكي. ويتمثل أحد هذه الجهود في إطلاق البرنامج الوطني لتطوير التكنولوجيا في عام 2016، والذي تُقدّر ميزانيته حوالي 67 مليون دولار أمريكي (2.5 مليار ريال سعودي)، في سبيل توفير آليات العمل اللازمة للمستثمرين ورواد الأعمال السعوديين والأجانب.

وتقدم المملكة العديد من الحوافز التي شجعت رواد الأعمال على نقل شركاتهم إليها، بما في ذلك الدعم الجزئي لرواتب الموظفين بناءً على حجم الشركة الناشئة، والاستشارات المجانية التي تقدمها وزارة الاستثمار السعودية، والمكاتب المعفية من الإيجار، والإعفاء الضريبي، ووجود مركز شامل لجميع المعاملات الحكومية والتراخيص لتسهيل عملية التسجيل.

مرحلة مؤقتة أم حالة مستمرة؟

تزايدت مستويات الحذر والتردد بين أوساط المستثمرين ورواد الأعمال نتيجة اضطراب الأحوال الاقتصادية في مصر، ولا سيما مع تضاؤل فسحة الأمل بتحسن واقع الاستثمار. كما تأثرت الدولة بتداعيات الحرب في أوكرانيا بشكلٍ كبير مقارنةً بدول مجلس التعاون الخليجي ودبي تحديداً، إذ لم تنل نصيباً من الدعم الاقتصادي الناتج عن توافد الأفراد الروس والأوكرانيين من ذوي الملاءة المالية العالية.

وأضاف شريف: "يتعذر وصف منظومة الاستثمار المصرية بأنها لم تعد مواتية أبداً لمزاولة الأعمال، إذ يتضح للعيان أنها تمر بصعوبات كثيرة ولا سيما على مستوى الاقتصاد الكلي، ولكنّ التحديات في قطاعٍ ما قد تمثل فرصاً للنمو في قطاعٍ آخر. وما زلنا ننظر بإيجابية إلى السوق المصرية التي تحافظ على استقرارها حتى الآن مع تزايد القوة الشرائية لدى المواطن المصري رغم جميع المشكلات الاقتصادية".

ومن جانبه، يرى وائل أمين، الشريك في شركة "صواري فينشرز" للاستثمار، أن المناخ الاستثماري في مصر يشكل "غيمةً سوداء فوق الشركات الناشئة".

وأوضح أمين أن منظومة الاستثمار المصرية تحولت من حالة الفائض النقدي إلى مشكلة النقص خلال الأشهر الـ 12 الماضية، ولكنه يرى أن الوضع الراهن ما هو إلا فترة مؤقتة وزائلة. وقال أمين: "تتراوح فترة تواجد الشركات الناشئة عموماً بين 10 و20 عاماً من لحظة تأسيسها وحتى خروجها من السوق، إذ لا شك أنها ستمر بثلاث أو أربع دورات اقتصادية تنتقل خلال من مرحلة الاقتصاد عالي النمو إلى الركود الاقتصادي، ومن توفر رأس المال بكثرة إلى ندرته. وبالتالي يتحتم عليها التحلي بالمرونة الكافية لمواكبة السوق واللحاق بركب الشركات المنافسة والصمود في وجه التحديات".

ويؤكد أمين ضرورة حرص رواد الأعمال على تغيير استراتيجيات أعمالهم لمجاراة الوسط المالي الذين يعملون فيه.

وأضاف قائلاً: "تبرز قوة الشركات في الأوقات الحرجة، فالجميع يتمتعون بالكفاءة حينما تكون الظروف مواتية".

وبدوره، نفى أحمد شلبي، مستثمر ممول والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "تطوير مصر"، وجود أي أهمية لانتقال الشركات المصرية إلى السعودية، معتبراً أن تأثير هذه الخطوة يطال دولة الإمارات أكثر من مصر نفسها. وأفاد شلبي بقوله: "لا أرى أي أهمية لانتقال مقرات الشركات إلى السعودية، إذ لم تعلن مصر إطلاقاً عن أي مساعي لتصبح مركزاً إقليمياً في مجال التكنولوجيا، وبالتالي لن تشكل موجة الانتقالات هذه أي تهديدٍ لها".

وأكدت شركة "تطوير مصر" أن انتقال مقرات الشركات إلى السعودية يصبّ في مصلحة رواد الأعمال المصريين والاقتصاد عموماً، حيث تستفيد الشركات الناشئة من الحوافز التي تقدمها السعودية، مما يثمر عن ازدهار سوق العمل نتيجة توظيف أعداد أكبر من الكفاءات في هذه الشركات وتدفق الإيرادات إلى مصر في نهاية المطاف.

واختتم شلبي بقوله: "تصبّ هذه الخطوة في صالح جميع الأطراف دون أدنى شك".

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.