افتتح الربع الثالث من 2025 بزخم استثماري قوي في قطاع الشركات الناشئة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ جمعت 57 شركة نحو 783 مليون دولار خلال يوليو، بزيادة هائلة بلغت 1,411% مقارنة بالشهر السابق، وأكثر من ضعف ما جُمع في الشهر نفسه العام الماضي. وجاءت هذه القفزة مدفوعة بصفقتين استثنائيتين شكّلتا النصيب الأكبر من التمويل.

السعودية والإمارات في الصدارة

حافظت السعودية على مركزها الأول إقليميًا، بـ 16 صفقة تمويلية بلغت قيمتها 396.5 مليون دولار. تلتها الإمارات بفارق بسيط، حيث جذبت 359 مليون دولار عبر 22 شركة ناشئة، مؤكدة استمرار جاذبيتها للمستثمرين الإقليميين والدوليين.وشهدت المراتب التالية مفاجآت، إذ قفز العراق إلى المركز الثالث بصفقة وحيدة قيمتها 15 مليون دولار لصالح (InstaBank)، متقدمًا بذلك على مصر التي خرجت من قائمة الأربعة الأوائل. المغرب جاء رابعًا مدعومًا بجولة تمويلية قيمتها 7.5 مليون دولار لشركة (Ora Technologies)، بينما تراجعت مصر إلى المركز الخامس بـ 4 ملايين دولار فقط موزعة على سبع شركات، في ظل ضغوط اقتصادية وتقلبات قيمة العملة.

تحول في خريطة القطاعات

لأول مرة منذ أشهر، تصدّر قطاع التقنيات العميقة (Deeptech) المشهد بـ 250.3 مليون دولار موزعة على أربع صفقات. وحلّ قطاع التجارة الإلكترونية (E-commerce) ثانيًا بنفس القيمة تقريبًا (250 مليون دولار) بفضل صفقة قياسية لشركة (Ninja). قطاع البرمجيات كخدمة (SaaS) جاء ثالثًا بـ 89 مليون دولار موزعة على 12 صفقة، بينما تراجع قطاع التكنولوجيا المالية (Fintech) إلى المركز الرابع بـ 61 مليون دولار موزعة على 11 صفقة. ويعكس هذا التحول تزايد شهية المستثمرين نحو الشركات القائمة على الابتكار والمعرفة، إلى جانب المنصات الاستهلاكية القابلة للتوسع، حتى مع تراجع الزخم في تمويل قطاع التكنولوجيا المالية.

صفقات كبرى تقود المشهد

رغم أن كثيرًا من الشركات الناشئة لم تفصح عن طبيعة الجولة التمويلية التي حصلت عليها، فإن صفقتي (Ninja)  و(XPANCEO) وحدهما شكّلتا 56% من إجمالي تمويل يوليو. جولات التمويل المتأخرة جلبت 158 مليون دولار، بينما جمعت ثلاث شركات في مرحلة السلسلة A ما مجموعه 267 مليون دولار. أما المراحل المبكرة، فشهدت حصول 26 شركة على 36 مليون دولار فقط. وبقي التمويل بالديون محدودًا عند 2% من إجمالي الشهر، ما يؤكد استمرار هيمنة الاستثمارات القائمة على الأسهم.

عودة نموذج B2C إلى الواجهة

عادت الشركات الناشئة الموجهة مباشرة للمستهلك (B2C) لتتصدر المشهد مجددًا، بقيادة شركتي (XPANCEO) و(Ninja)، حيث جمعت 534 مليون دولار من إجمالي التمويل. وجاءت بعدها الشركات الموجهة للأعمال (B2B) التي حصدت 202.4 مليون دولار عبر 32 صفقة، بينما ذهب ما تبقى إلى الشركات الموجهة مباشرة للمستهلك النهائي (D2C) وإلى الشركات التي تجمع بين أكثر من نموذج عمل. هذا التحول نحو B2C يمثل انعكاسًا للوضع في مطلع العام، حين كانت الشركات التي تقدم خدمات أو تقنيات موجهة للشركات الكبرى أو المؤسسات هي المهيمنة على اهتمام المستثمرين.

الفجوة الجندرية ما زالت قائمة

ظل التمويل يميل بشكل واضح لصالح الشركات التي يقودها رجال، إذ جمعت 774.5 مليون دولار عبر 43 صفقة. أما الشركات التي شارك في تأسيسها رجال ونساء، فحصلت على 5.8 مليون دولار فقط، في حين لم تتجاوز تمويلات الشركات التي تقودها نساء 3 ملايين دولار موزعة على ثماني صفقات. ورغم تزايد حضور رائدات الأعمال في المشهد، فإن فجوة التمويل لا تبدو قريبة من الانحسار.

آفاق الاستثمار في المنطقة

بعد مرور سبعة أشهر من 2025، تجاوزت تمويلات الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إجمالي ما جُمع خلال عام 2024 كاملًا، في مؤشر واضح على نضوج بيئة الابتكار في المنطقة. ومع جذب السعودية والإمارات لجولات قياسية غير مسبوقة، وظهور أسواق جديدة مثل العراق والمغرب ضمن المراتب الأولى، بات اهتمام المستثمرين يمتد إلى أسواق جديدة خارج المناطق المعتادة التي كانت تستحوذ على النصيب الأكبر من التمويل.

ويشير الجمع بين الرهانات الكبرى في المراحل المتأخرة وتدفق الصفقات في المراحل المبكرة إلى أن المستثمرين العالميين يرون في المنطقة فرصًا للتوسع السريع على المدى القريب، إلى جانب إمكانات واعدة على المدى الطويل. وإذا استمر هذا الزخم، فقد ترسّخ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مكانتها كوجهة نمو رئيسية في قطاعات تمتلك فيها ميزات تنافسية فريدة، من التقنيات العميقة والذكاء الاصطناعي إلى اللوجستيات والطاقة والتجارة عبر الحدود، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وطاقاتها الشابة والسياسات الداعمة لريادة الأعمال التي تترسخ يومًا بعد يوم.

تصدر هذه التقارير الشهرية بالتعاون بين ومضة والموجز الرقمي.