الذكاء الاصطناعي يصبح أداة بقاء للشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط

مقال بقلم أحمد محمود، الرئيس التنفيذي لشركة DXwand
لم يعد الذكاء الاصطناعي رفاهية حكرًا على الشركات الكبرى. اليوم، نرى موجة متسارعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط وهي تدخل السباق، تستخدم هذه الشركات الذكاء الاصطناعي لتقليل التكاليف وتحسين خدمة العملاء وتوسيع أنشطتها — وكل ذلك من دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
لوقت طويل، كانت التحولات الرقمية عبئًا على الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب تعقيدها وكلفتها. لكن مع ظهور المنصات الـتي لا تحتاج برمجة (no-code) والتطبيقات سهلة الاستخدام، أصبحت الأتمتة متاحة حتى لأصغر الفرق وأبسط الإمكانيات.
نحو مزيد من المرونة
كانت البداية من خدمة العملاء والمبيعات، حيث وجدت هذه الأقسام في الذكاء الاصطناعي أداة مثالية لتولي المهام الروتينية: الرد على الاستفسارات، اقتراح المنتجات، أو إدارة الطلبات — كل ذلك يتم اليوم بطريقة طبيعية وودية، بعيدًا عن الجمود الذي اعتدنا عليه في الأنظمة الآلية القديمة.
وفي منطقتنا، يكتسب الأمر أهمية خاصة. فالشباب يشكّلون القوة الأكبر في السوق، وهم جمهور رقمي بطبعه، يتوقع سرعة في الخدمة، تجربة مخصّصة تناسب اهتماماته، ودعمًا متاحًا على مدار الساعة. لذلك، بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرّد وسيلة لرفع الكفاءة فحسب، بل أصبح أداة لبناء علاقة أعمق وأكثر مرونة واستجابة مع عملائها.
الأثر يمكن قياسه بوضوح، فالشركات التي تبنّت أدوات الذكاء الاصطناعي سجلت ارتفاعًا في الإنتاجية، وتراجعًا في المهام اليدوية، ومرونة أكبر في سير العمل، إضافة إلى سرعة أكبر في اتخاذ القرار. هذه المكاسب مجتمعة تمنح الشركات الصغيرة والمتوسطة قدرة حقيقية على المنافسة في أسواق تتغير بوتيرة متسارعة.
ما الذي تحتاجه الشركات الصغيرة والمتوسطة من الذكاء الاصطناعي؟
ليست كل الأدوات تعطي نفس القيمة. بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، أكثر الحلول فاعلية هي تلك التي يمكن الوصول إليها بسهولة، لا ترهق الميزانية، ويسهل تطبيقها. نماذج الاشتراك الشهري مثلًا تتيح البدء بخطوات صغيرة ثم التوسع تدريجيًا من دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة.
اليوم، لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على خدمة العملاء فحسب، بل امتد ليشمل المبيعات، وأبحاث السوق، وتحليل الجمهور. وهو ما يمنح الشركات فرصة لفهم عملائها بشكل أدق، وتقديم تجربة أكثر تخصيصًا، وتبسيط عملياتها اليومية، من دون الحاجة إلى خبرة تقنية معقدة.
لكن التقنية وحدها لا تكفي. فالقيمة الحقيقية على المدى البعيد ترتبط بالتصميم الأخلاقي والرقابة البشرية. إذ تبقى الشفافية، والعدالة، واحترام الخصوصية هي مفاتيح بناء الثقة — والثقة أصبحت عملة نادرة وأساسية في سوق رقمي مزدحم.
تحوّل استراتيجي لا مجرد أداة
لم يعد تبني الذكاء الاصطناعي مجرد تحديث تقني، بل أصبح تحولًا في طريقة التفكير. فالمخاطرة الأكبر بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة تكمن في التأخر، فالمنافسون الذين يتبنون الذكاء الاصطناعي سيعملون بسرعة واستجابة أعلى، بينما المترددون قد يجدون صعوبة في اللحاق بالركب.
وليس الأمر مقتصرًا على القطاع الخاص فقط. ففي الكويت مثلًا، أطلقت وزارة التربية مساعدًا ذكيًا باسم "تحدث مع حمد" يخدم الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. خلال شهره الأول، عالج النظام أكثر من 16 ألف صفحة محتوى، وأدار نصف مليون محادثة. وإذا كان مشروع حكومي بهذا الحجم قد حقق أثرًا ملموسًا، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة — التي تواجه تحديات مشابهة في الكفاءة وسرعة الاستجابة — قادرة على تحقيق فوائد كبيرة من حلول مماثلة تُصمَّم لتلبية احتياجاتها.
المشهد الإقليمي
يتقدّم تبني الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط مدعومًا بمبادرات حكومية قوية. ففي الإمارات، تستهدف استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031 دمج التقنية في قطاعات مثل الصحة، التعليم، والتجزئة — وهي قطاعات تهيمن عليها الشركات الصغيرة والمتوسطة. أما في السعودية، فتضع رؤية 2030 التحول الرقمي كركيزة أساسية لتنويع الاقتصاد، وتشجع الشركات المحلية على اعتماد الذكاء الاصطناعي في خطط نموها. وفي مصر، برزت إشارات واضحة إلى تسريع رقمنة الشركات الصغيرة والمتوسطة كجزء من مسار الإصلاح الاقتصادي الأوسع.
هذا المزيج بين المبادرات الحكومية ووجود جيل شاب متمرس في استخدام التكنولوجيا يخلق بيئة خصبة تتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة أن تلعب دورًا محوريًا في رسم مستقبل الاقتصاد الإقليمي القائم على الذكاء الاصطناعي.
نظرة إلى المستقبل
مع استمرار رحلة التحول الرقمي للشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط، سيتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي ليشمل مجالات أعمق من خدمة العملاء والمبيعات، مثل سلاسل الإمداد، التنبؤات المالية، والعمليات الأساسية الأخرى. وتستثمر الحكومات بقوة في البنية التحتية الرقمية لتسريع هذا التحول.
الرسالة واضحة: الذكاء الاصطناعي لم يعد ابتكارًا بعيد المنال يخص الشركات الكبرى فقط، بل أصبح أداة عملية ومباشرة تعيد تشكيل مستقبل الأعمال. والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتحرك مبكرًا لن تكتفي بالتكيف بسهولة، بل ستضع أيضًا معايير جديدة للمرونة والنمو في سوق سريع التطور.