English

جايتكس 2025 يشهد عودة سوريا لبيئة ريادة الأعمال الإقليمية، ومشاركة فريدة لفلسطين

English

جايتكس 2025 يشهد عودة سوريا لبيئة ريادة الأعمال الإقليمية، ومشاركة فريدة لفلسطين

في نسخة هذا العام من معرض GITEX Global، أكبر حدث تقني في الشرق الأوسط، اتجهت الأنظار إلى جناحين صغيرين قدّما قصة مختلفة عن بقية العارضين. ففي Expand North Star، القسم المخصّص للشركات الناشئة والمقام في ميناء دبي، شاركت سوريا للمرة الأولى على الإطلاق، فيما حظى روّاد الأعمال الفلسطينيون باهتمام لافت من المستثمرين.

وعلى مدى أربعة أيام، جمع GITEX Global  آلاف الشركات الناشئة وأكثر من ألف مستثمر، ليكرّس نفسه كأهم ساحة لعقد الصفقات في المنطقة، حيث تنتهي أحاديث التعارف بصفقات حقيقية. ووسط زحام العروض العالمية وإطلاق المنتجات الجديدة، برزت المشاركة الأولى لسوريا والحضور المتنامي لفلسطين كإشارتين على قدرة المنطقة على النهوض والتعافي من الأزمات واستعادة الطموح بهدوء وثبات.

سوريا تعود إلى الواجهة

داخل الجناح السوري كان النقاش حيويًا ومفعمًا بالحماس. رواد أعمال أمضوا سنوات في المهجر وجدوا أنفسهم وجهًا لوجه مع مستثمرين دوليين، وكثير منهم للمرة الأولى.

الجناح نظّمته مؤسسة SYNC، وهي منظمة غير ربحية مقرها كاليفورنيا، يقودها متطوعون من الكفاءات السورية في المهجر بهدف إعادة بناء منظومة الابتكار التقني في البلاد. يقول فراس خليفة، الشريك المؤسس لـSYNC، في حديثه إلى "ومضة": "هدفنا هو تفعيل طاقات السوريين العاملين في مجال التقنية حول العالم وربطهم بفرص داخل سوريا. نطمح لخلق 25 ألف وظيفة تقنية خلال خمس سنوات، ووقف نزيف العقول الذي أفرغ سوق العمل السوري."

كذلك، قدّمت رائدتا الأعمال رهف الدروبي وسيم القباني نموذجًا حيًا لهذا الطموح، بعد أن فاز مشروعهما التعليمي TarKeys بمنحة قدرها 8 آلاف دولار من TiE دبي خلال مشاركتهما في Expand North Star. فوزهما لم يكن مجرد جائزة، بل إشارة إلى بداية فصل جديد لريادة الأعمال السورية — فصل يشارك فيه جيلٌ صمد في وجه الحرب، ليعود وينافس بثقة على الساحة العالمية.

بلد يعيد بناء نفسه من الصفر

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة جديدة تتأرجح بين الغموض والأمل، لكنها تحمل إمكانات حقيقية للتغيير. فكل القطاعات تقريبًا — من البنية التحتية إلى التعليم والقطاع المالي والصحي — تحتاج إلى إعادة بناء من الأساس.

ومع رفع نحو 40٪ من العقوبات وتوقّع تخفيف المزيد منها بنهاية العام، بدأت الحكومة والقطاع الخاص يرَيان في هذه اللحظة نافذة للعودة إلى الأسواق العالمية. يقول فراس خليفة: "أعرف أن الاستثمار في سوريا يحمل قدرًا كبيرًا من المخاطرة، لكن من يتحرّك أولًا سيستفيد من سوق متعطّشة للفرص مثل سوقنا. الآن هو الوقت المناسب لاستغلال هذه اللحظة."

خلال GITEX ، التقى وزير الاتصالات والتقنية السوري عبد السلام هيكل بعدد من رواد الأعمال، وطرح خطة لإعادة بناء البنية التحتية الرقمية السورية. قال هيكل: "الاتصال والكهرباء أولًا"، مؤكدًا أن وزارته تعمل بالتنسيق مع وزارة المالية على إعداد تشريعات جديدة لتنظيم نشاط رأس المال المغامر وإطلاق حاضنات ومسرّعات أعمال لدعم الشركات الناشئة في مراحلها الأولى. حضور الوزير لم يكن رمزيًا فحسب، بل عكس إرادة سياسية واضحة لدعم نهضة القطاع التقني السوري.

لماذا تعني عودة سوريا الكثير للمنطقة؟

عندما خرجت سوريا من مشهد التحوّل التقني في المنطقة قبل أكثر من عقد، فقدت المنطقة الريادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثلاث ركائز أساسية: الحجم، والكفاءات، والتوازن.

قبل الحرب، كانت الجامعات السورية تخرّج باستمرار مهندسين ومطوّرين ومصمّمين تميزوا بكفاءتهم العالية، وكان كثير منهم يجدون فرصهم في أسواق الخليج وأوروبا. ومع اندلاع الحرب، توقّف هذا التواصل، وتحولت الهجرة إلى نزيف دائم للخبرات. بذلك فقدت المنطقة شريانًا بشريًا متوسط التكلفة وعالي المهارة كان يمكن أن يربط بين وفرة الكوادر في شمال أفريقيا وكثافة رأس المال في الخليج.

غياب سوريا أيضًا أحدث فراغًا في سلاسل الإمداد الرقمية ببلاد الشام، واضطرت الشركات إلى تغيير مساراتها بين العراق والأردن ولبنان وتركيا لتتجاوز تلك "الحلقة المفقودة". وسوق محلية تضم أكثر من 22 مليون نسمة — كانت مرشحة لتكون ساحة اختبار للتقنيات المالية والتجارة الإلكترونية — خرجت تمامًا من الخريطة. أما السوريون الذين بنوا مسيراتهم في الخارج، فقلّما استطاعت خبراتهم أن تجد طريقها للعودة إلى المنطقة.

واليوم، مع تخفيف العقوبات وإعادة فتح الاقتصاد، تتهيأ المنطقة لاستعادة هذا العنصر المفقود. فعودة سوريا قد تفتح بابًا جديدًا لطاقات متمكنة ومنخفضة التكلفة، خصوصًا في مجالات البرمجيات والذكاء الاصطناعي والهندسة عن بُعد، وهي مجالات يزداد الطلب عليها في الخليج وبلاد الشام.

كما تمتلك سوريا قاعدة صناعية وتكاليف تشغيل منخفضة تؤهلها لأن تكون مركزًا جديدًا للتصنيع الخفيف والتكنولوجيا المتقدمة — ما وصفه فراس خليفة بـ "الصين الجديدة لبلاد الشام". كما أن مشاريع مثل SilkLink، الممرّ المقترح للإنترنت عالي السرعة الذي يربط آسيا بأوروبا عبر سوريا، قد تعزز الترابط الإقليمي وتخفض كلفة البيانات.

ومع عودة سوريا إلى المشهد، تتسع خريطة الاستثمار وريادة الأعمال في المنطقة بسوق جديدة رقمية وواعية، مدعومة بتحويلات مالية من الجاليات وبقوة شرائية متنامية. أما المستثمرون في الأردن ولبنان والسعودية، فقد بدأوا فعلًا يراهنون على الفرص المبكرة في السوق السورية — رهان محفوف بالمخاطر، لكنه قد يكون الأجرأ والأعلى مردودًا في المنطقة.

فلسطين: بناء وسط العاصفة

في القاعة المقابلة من معرض GITEX، قدّمت الوفود الفلسطينية واحدة من أكثر المشاركات تأثيرًا وإلهامًا في الحدث هذا العام. كانت هذه المشاركة الثالثة على التوالي لروّاد الأعمال الفلسطينيين، بدعم من شركاء أوروبيين وبنك فلسطين وشركات خاصة مثل Profarco.

يقول راتب ربيع، المدير التنفيذي لشركة Intersect، الذي حضر عدة دورات سابقة للمعرض: "يصعب أن أصف كم كانت مشاركتنا هذا العام مهمة"، مضيفًا بابتسامة: "زارنا عدد كبير من المستثمرين، لبنانيين ودوليين وعدة صناديق إماراتية. نظمنا حملة تواصل موسّعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وشاركت شركاتنا في جلسات تعريفية لعرض أفكارها. كانت ردود الفعل مشجعة، حتى إن لم تترجم بعد إلى التزامات حقيقية، لكنها بداية تستحق البناء عليها."

ومع حلول اليوم الثالث، ازداد الزخم بوضوح. سبع إلى ثماني شركات ناشئة كانت تُجري مقابلات إعلامية متتالية، وعدد منها برز في تغطية Expand North Star الرسمية. تنقّل الزوّار بين ثلاثة أجنحة فلسطينية استعرضت خلالها 33 شركة ناشئة حلولًا مبتكرة في مجالات الزراعة الذكية والذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية (SaaS) والصناعات الإبداعية.

يقول ربيع بفخر: "هؤلاء ثلاثة وثلاثون نجمًا… ثلاثة وثلاثون فلسطينيًا في دائرة واحدة." وكان في عبارته ما هو أعمق من الفخر، فهؤلاء الروّاد يعرضون أفكارهم للعالم بينما وطنهم يعيش واحدة من أعنف المآسي في التاريخ الحديث. فبحلول أكتوبر 2025، قدّرت جهات مستقلة مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني وإصابة نحو 169 ألفًا في غزة. ورغم دمار البنية التحتية، لا يزال روّاد الأعمال الفلسطينيون يظهرون، لا هروبًا من الواقع بل تحديًا ومقاومًة له.

دبي ودورها كجسر إقليمي

لم تقتصر مشاركة سوريا وفلسطين في GITEX على الحضور الرمزي، بل شكّلت فرصة حقيقية للتواصل والتفاعل. فبفضل وضوح الأطر التنظيمية والقوانين وعمق السوق الاستثمارية وموقعها الجغرافي المحايد، أصبحت دبي نقطة التقاء طبيعية تجمع الحكومات وروّاد الأعمال في المهجر والشركات العالمية.

وقد صُمّم Expand North Star تحديدًا لتحقيق هذا الغرض، أن يكون مكانًا يجمع عددًا كبيرًا من المستثمرين، ويتيح سرعة في التمويل وإتمام الصفقات، ويوفّر منصة تسهّل دمج الشركات الجديدة في مشهد الشركات الناشئة الإقليمي.

وقد أضافت مشاركة سوريا وفلسطين هذا العام بعدًا مختلفًا إلى حدثٍ يغلب عليه عادةً الطابع التجاري والتقني، فالأولى حملت طاقة الإعمار والانفتاح، والثانية جسّدت روح الصمود والإصرار — تذكير بأن الابتكار في المنطقة كثيرًا ما ينطلق من الهوامش، لا من المراكز.

الخلاصة

لطالما تمحورت منظومة الشركات الناشئة في المنطقة حول رأس المال الخليجي وحجم السوق في شمال أفريقيا. لكن اليوم، عودة سوريا واستمرار حضور فلسطين يضيفان عناصر جديدة إلى المشهد: كفاءات هندسية وقدرة على الابتكار وصلابة ومرونة بشرية لافتة.

وإذا كان المستثمرون يسعون فعلًا إلى تنويع استثماراتهم على المدى الطويل، فالموجة القادمة تبدأ من هنا — من الدول التي تعيد بناء أسسها وتعيد رسم موقعها في خريطة التكنولوجيا الإقليمية.

الفرص واضحة، والتحدي يكمن — كالعادة — فيمن يملك الجرأة على أن يبدأ أولًا.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.