10 توقعات لمستقبل الابتكار في الخليج عام 2026
مع نهاية عام 2025، يمرّ قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي بمرحلة تحوّل لافتة. فقد شهد العام الماضي تناقضات واضحة وزخمًا استثماريًا ملحوظًا؛ إذ وصلت حركة الاستثمار إلى مستويات قياسية، تخللتها لحظات مراجعة وإعادة ضبط، مع تدفّق غير مسبوق لرأس المال—سواء عبر الاستثمار المباشر أو أدوات الدين—إلى المنطقة. غير أن العامل الأهم لم يكن حجم هذا التدفق، بقدر ما كان طريقة توجيهه، حيث اتجه بشكل استراتيجي نحو عدد أقل من الشركات، لكن بصفقات أكبر، وبتركيز على شركات أكثر نضجًا من حيث البنية والقدرات المؤسسية.
وقد عزّز هذا التحوّل عدد من جولات التمويل الكبيرة—لا سيما في مجالات التكنولوجيا المالية والبنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي—في إطار اتجاه كان يتبلور منذ سنوات. فشركات تأسست في دول مجلس التعاون الخليجي باتت اليوم قادرة على الوصول إلى التمويل على نطاق عالمي، بينما انتقلت نقاشات مثل الجاهزية للطرح العام والسيولة الثانوية والتمويل الخاص من حيّز التنظير إلى الممارسة الفعلية. وفي الوقت نفسه، كثّفت حكومات المنطقة وتيرة تبنّي الذكاء الاصطناعي، لا بوصفه مبادرات تجريبية، بل كبنية تحتية أساسية تُعيد تشكيل الخدمات العامة والأطر التنظيمية والتخطيط الاقتصادي طويل المدى.
وتشير هذه التطورات إلى أن تغيّرًا أعمق بات جاريًا داخل المنظومة. فلم يعد المشهد قائمًا على التجريب وحده، بل أصبح محكومًا بالتنفيذ والقدرة على التوسّع والاستمرارية. ويبرز الذكاء الاصطناعي هنا على نحو خاص، إذ لم يعد اتجاهًا مستقبليًا، بل يتحوّل تدريجيًا إلى ما يشبه نظام التشغيل للعقد المقبل في المنطقة، مؤثرًا في نشأة الشركات الناشئة وأسواق العمل وتوجيه رأس المال واستراتيجيات الحكومات.
وانطلاقًا مما رصدناه بوصفنا مستثمرين وشركاء وفاعلين في هذا السوق، تمثّل التحوّلات العشر التالية—من وجهة نظري—أبرز الديناميات التي ستُشكّل مشهد الابتكار في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2026.
1. صعود الشركات المولودة بالذكاء الاصطناعي
ستستمر الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في النمو، لكن المرحلة المقبلة ستشهد صعود جيل مختلف من الشركات: شركات بُنيت منذ البداية على الذكاء الاصطناعي، بحيث يقوم عليه المنتج الأساسي وسير العمل والقيمة التي تقدّمها. هذا النوع من الشركات قادر على التوسّع بسرعة أكبر والعمل بفرق أصغر وجذب نصيب أكبر من الاستثمارات.
2. سيولة متزايدة وتقييمات أعلى
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي ما يمكن اعتباره دورة سيولة استثنائية، مع تدفّق متزايد للاستثمارات إلى قطاع التكنولوجيا. الصناديق السيادية، والمستثمرون العالميون، وشركات رأس المال الجريء الإقليمية، إلى جانب الكيانات الاستثمارية المدعومة حكوميًا، تضخّ أموالها بقوة في هذا المجال. ونتيجة لذلك، من المتوقّع أن ترتفع التقييمات، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة (Deep Tech)والبنية التحتية.
3. الجاهزية للطرح العام أولوية في السعودية والإمارات
تتنافس أسواق المال في السعودية والإمارات لتكون مسار الخروج المفضّل في المنطقة. وفي ظل هذا التنافس، لم تعد الجاهزية للطرح في البورصة خطوة مؤجّلة، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من خطط النمو. عدد محدود من الشركات الكبرى—من بينها Tabby وTamara و Salla— أصبحت مهيّأة بشكل متزايد لاختبار الطرح العام خلال الفترة المقبلة.
4. تسارع التبنّي الحكومي للذكاء الاصطناعي في الخليج
تتحرّك حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة لتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة. هذا التوجّه، الذي تقوده الحكومات، سيخلق طلبًا مستمرًا على حلول الذكاء الاصطناعي من الشركات المحلية والعالمية، كما سيؤثر في سياسات الشراء الحكومي والأطر التنظيمية وأولويات منظومة الابتكار في المنطقة.
5. تحديات أكبر ستواجه الوظائف المبتدئة
سيؤدي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام إلى التأثير بشكل أوضح على الوظائف المبتدئة، خاصة في أدوار مثل التحليل والتنسيق الإداري وخدمة العملاء والبرمجة الأساسية. ومع هذا التغيّر، ستحتاج المنطقة إلى تطوير مسارات جديدة لتوظيف الشباب ودعم اكتساب المهارات في المراحل الأولى من الحياة المهنية.
6. مؤسسات التعليم تحت الضغط مع انتشار الذكاء الاصطناعي
تجد الجامعات والمدارس نفسها أمام ضرورة ملحّة لإعادة النظر في مناهجها وأساليبها التعليمية. فالمناهج التقليدية لم تعد تواكب سرعة التغيّر، ما يخلق فجوة متزايدة بين ما يتعلمه الطلاب وما يحتاجه سوق العمل.
7. تسارع اعتماد الشركات الكبرى على الذكاء الاصطناعي
تنتقل الشركات الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي من مرحلة التجربة المحدودة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل أعمالها. ومع وضوح العائد من هذا الاستخدام، سيتحوّل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي من نمو تدريجي إلى توسّع سريع، يمتد عبر قطاعات مختلفة.
8. سوق جديدة لبيع وشراء حصص الشركات الناشئة
مع اقتراب صناديق رأس المال الجريء من المراحل المتأخرة لدورات عملها، وارتفاع تقييمات الشركات الناشئة، بالتوازي مع تزايد الحاجة إلى السيولة، ستصبح الصفقات الثانوية أكثر حضورًا. هذا التطور سيوفّر سيولة مبكرة، ويساهم في زيادة احترافية المنظومة، ويعزّز مكانة رأس المال الجريء كفئة استثمارية لها مسارات خروج أكثر وضوحًا.
9. رأس المال والطاقة يدفعان صعود الخليج في سباق الذكاء الاصطناعي
يلعب عاملان استراتيجيان دورًا أساسيًا في تزايد أهمية الخليج في عصر الذكاء الاصطناعي: رأس المال والطاقة. ولهذا بدأت مختبرات وشركات ذكاء اصطناعي عالمية في تأسيس حضور لها في أبوظبي والرياض، بهدف الوصول إلى رأس المال السيادي والبنية التحتية طويلة الأجل، ما يعزّز موقع المنطقة عالميًا في هذا المجال.
10. دخول أوسع للشركات الصينية يعيد تشكيل المنافسة
توسّع شركات التكنولوجيا الصينية، سواء الكبرى أو المتوسطة الحجم، حضورها في أسواق الخليج بوتيرة متسارعة. هذا التوسّع، المدعوم بالحجم والسرعة والقدرة التسعيرية، سيؤدي إلى اشتداد المنافسة، ويدفع الشركات الإقليمية إلى تحسين قدرتها على التنفيذ وبناء شراكات أقوى وتعزيز قدرتها على الصمود على المدى الطويل.
