English

نظرة مجهرية إلى عوالم النظم الكهروميكانيكية الصغرى

English

نظرة مجهرية إلى عوالم النظم الكهروميكانيكية الصغرى

يطلق اسم "ميمس" (بالإنجليزية MEMS) أو النظم الكهروميكانيكية الصغرى micro-electrical-mechanical-systems، على الأجزاء الإلكترونية الصغيرة كالمحرّكات والمضخّات على رقائق السيليكون التي تشكّل الحساسات أو المشغّلات الدقيقة. (مصدر الصورة: New York Photonics)  

تخيّل نفسك تنظر بالمجهر إلى آلةٍ تعمل بكامل طاقتها، وتتألّف من مرايا مجهرية تعيد توجيه الأشعّة الضوئية ومحرّكاتٍ صغيرة، تعمل جميعها سويّاً وبانسجامٍ تامّ لتؤدي أعمالاً تفوق قدرات كلّ جزء منها على حدة.

تُسمّى هذه "الروبوتات" بالـ"ميمس" MEMS، وهي نظمٌ كهروميكانيكية صغرى تتألّف من أجزاء متحرّكةٍ مقابل الشريحة الإلكترونية التي يرتكز عليها قطاع التكنولوجيا العالمي والتي تعيد أجزاؤها الثابتة توجيه الإلكترونات.

عمليّا، تشبه هذه الآلية مستعمرة النمل، حيث يؤدّي كلّ عنصرٍ منها مهمّةً محدّدةً بطريقةٍ محدّدة، فتعمل المستعمرة ككائنٍ واحدٍ.

وفي مصر، تشكّل "سي-وير" Si-Ware إحدى الشركات الرائدة في صناعة وتطوير النظم الكهروميكانيكية الصغرى، في ظلّ تنامي قطاع الإلكترونيات وخصوصاً في مجال الموصِلات الجزئية.

"تتألف النظم الكهروميكانيكية الصغرى من أجزاء متحرّكة ثلاثية الأبعاد على ركيزةٍ من السيليكون،" بحسب هشام هدارة، مؤسّس شركة "سي-وير" (الصورة أدناه)، الذي يضيف أنّه بواسطتها "يمكنك صناعة المحرّكات وصناعة المضخّات، يمكنك صناعة أجزاء مجهرية، صغيرة جداً في عالم صغير."

فضلاً عن ذلك، ولأنّ رقائق السيليكون كانت أكبر بكثيرٍ ممّا هي عليه اليوم، فالتكنولوجيا التي استُخدِمت منذ خمسة عشر عاماً لصناعة هذه الرقائق تناسب اليوم صناعة النظم الكهروميكانيكية الصغرى. ففيما تقاس اليوم عناصر رقائق السيليكون بالنانومتر، لا تزال النظم الكهروميكانيكية الصغرى تُصنع باعتماد مقاييس الميكرومتر، ويمكن أن تُرصَد بالعين المجرّدة عبر المجهر.  

ووفقاً لموقع "ميمس نت" MEMSnet، "فإنّ الأمر لا يقتصر على أداء الميمس الاستثنائي فحسب، بل على طريقة إنتاجها التي تستفيد من تقنيات الإنتاج نفسها المستخدَمة في تصنيع الدارات المتكاملة. وهذا ما يعني تكاليف مخفضة في إنتاج كلّ جهازٍ يعمل بالنظم الكهروميكانيكية الصغرى."

وللدلالة على قوّة هذه الأجهزة المجهرية، يشير الموقع إلى أنّ "الباحثين وضعوا مشغّلاتٍ دقيقةً صغيرة على أطراف أجنحة الطائرة فتمكّنوا من توجيهها عبر هذه الأجهزة الدقيقة فقط لا غير."

"سي-وير"

أمضى هدارة أربع سنوات في إدارة العمليات في مصر لصالح الشركة الفرنسية الرائدة "ميمس كاب" MEMSCap، قبل أن يؤسّس شركته الخاصّة عام 2004، فكانت أولى الشركات الـ17 المحلّية النشأة التي تُعنى بالموصِلات الجزئية، والتي أطلِقَت في مصر خلال السنوات العشر الاخيرة.

بدأت "سي-وير" كشركةٍ لتصميم الرقاقات من دون أن تمتلك مصنعاً لإنتاجها، فكانوا يستعينون بمصادر خارجية للإنتاج من بلدان أخرى كالصين. وبعدما بدأوا عملهم فقط ببيع التصاميم إلى زبائن في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، باتوا منذ خمس سنوات يصمّمون وينتجون رقاقات إلكترونية كاملة لزبائنهم.

ويشرح هدارة الأمر بالقول: "دخلنا لعبة التصميم من دون التصنيع، وحرصنا أن نؤديها كما تؤدّى في أوروبا والولايات المتحدة، فوضعنا ثقلاً كبيراً في الإبداع والابتكار وفي قدرات مهندسينا. ولأن مصر لا تشتهر بهذه التكنولوجيا، كان علينا - بغية جذب انتباه الزبائن والشركاء والشركات الكبرى، سواء في أمريكا أو في أوروبا أو اليابان أو في شتى أنحاء العالم - ألّا نكتفي بإرضائهم بل أن نبهرهم أيضاً."

ومؤخراً، أدخلت "سي-وير" رقاقات النظم الكهروميكانية الصغرى ضمن استراتيجيتها، حيث بدأت هذه الأخيرة بإبهار عددٍ كبير من الزبائن. 

المطياف

كشفت "سي-وير" النقاب عن أوّل منتَج لها في شباط/فبراير، وهو المطياف الذي يوضع في رقاقة spectrometer-on-a-chip، ما اعتُبَر أنّه المنتَج الأوّل من نوعه في العالم.

والمطياف spectrometer هو جهازٌ يتعرّف على مكوّنات بعض المواد عبر تحليل موجات الضوء التي تنعكس عليه أو تمُرّ به. وبالرغم من أنّه يشكّل تكنولوجيا يفوق عمرها المئة عام، غير أنّ سعر الجهاز الواحد في شكله التقليدي يتراوح بين 5آلاف و100 ألف دولار. واليوم، تقدّر قيمة سوق المطياف عالمياً بحوالي 5 مليار دولار.

أمّا "سي-وير"، فمع إعادة ابتكارها للجهاز، قلّصت حجم المطياف إلى رقاقتَين، الأولى إلكترونية، والثانية تحتوي على العناصر الميكانيكية الصغيرة.

مطياف مصنوع من الأجهزة الكهروميكانيكية الصغرى MEMS. (الصورة من "سي-وير") 

وعن سبب إنتاج هذا الجهاز بتكنولوجيا جديدة، يلفت هدارة إلى أنّهم في البدء تطلّعوا إلى قطاع جودة الغذاء، ثمّ إلى القطاع الصحّي، لأنّ هذا الأخير لا يتطلب عمليات ترخيص مرهقة.

وفي الوقت الحالي، يختبر المنتَج أربعةٌ من عملاء "سي-وير"، ومن المقرّر أن يُطلَق في كانون الثاني/يناير المقبل.

وفي إطار الحديث عن أحد الزبائن، شركة "سويل كير" SoilCare الهولندية التي تختبر المنتج حاليا كأداة لتحليل التربة، يقول هدارة إنّه "عندما يقوم مزارعٌ بتغيير المحاصيل ويريد أن يعلم ما إذا كانت التربة جاهزة لمحصول آخر […] عليه أن يقوم بتحليل التربة. وللقيام بهذا اليوم، يعتمد على الطريقة التقليدية[…]  حيث يأخذ عيّناتٍ من التربة، وربّما مئات العينات، ثم يرسلها إلى مختبرٍ مركزي وينتظر النتائج لمدّة أسبوعٍ أو أسبوعين."

وبما أنّها عمليةٌ مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، تريد "سويل كير" أن تستخدم مطيافاً متّصلاً بالإنترنت، ما يسمح للمزارعين باختبار التربة في الميدان، وذلك عبر إرسال البيانات الخام إلى مختبرات الشركة مباشرةً حيث تحلّلها وتعيد إرسالها للمزارع في غضون دقائق.

وبالنسبة إلى الطلبات الأخرى، يقول هدارة إنّها كانت لمراقبة جودة الأغذية، حيث يمكن بواسطة الجهاز مثلاً تمييز لحم الخيل من لحم البقر، وتجنّب الغش كما حصل في فضيحة اللحوم الأوروبية عام 2013.

تناقش "سي-وير" أيضاً احتمال استخدام هذا المنتَج في المراحيض لتحليل البول، ما يوفّرن للأطباء معطياتٍ فوريةً حول صحّة المريض. وكذلك يمكن استخدامه لقياس العلامات الحيوية، كنسبة السكّر في الدم، من خلال إرسال أشعّةٍ ضوئيةٍ إلى أنسجة الجسم.

وبالتالي، يقدّم هذا التطوّر قفزةً كبيرة لصنّاع تكنولوجيا الأجهزة القابلة للارتداء التي تُعنى بالرعاية الصحية.

الجوائز

في شباط/فبراير 2014، فازت رقاقة المطياف بجائرة "بريسم"Prism Award للتجارب والمقاييس وعلم القياس، وهو حفلٌ يصفه هدارة بـ"أوسكار الأجهزة الإلكترونية".

بالإضافة إلى ذلك، سجّلت "سي-وير" نحو "ستة أو سبعة براءات اختراع" تدور حول التكنولوجيا، ما رفع عدد براءات الاختراع التي تمتلكها إلى 40 براءة.

أمّا الهدف الكبير لهدارة، فهو يكمن في تطوير "سي-وير" من شركةٍ أساسيةٍ ومهمّةٍ محلياً تُعنى بتزويد زبائن عالميين بالموصِلات الجزئية، إلى شركةٍ عالميةٍ ناجحةٍ بحدّ ذاتها.  

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.