English

مبادرة لمساعدة اللاجئين السوريين بطريقة أخرى: تعلّم التكنولوجيا

English

مبادرة لمساعدة اللاجئين السوريين بطريقة أخرى: تعلّم التكنولوجيا

نموذج عن مختبر "ذات لاب" المرتقب لـ "ريبوت كامب" في شمال الأردن. (الصور من RebootKamp.org)

فيما تستمر الحرب الأهلية السورية، تتواصل معاناة جيل من الشباب السوري في مخيمات اللاجئين، فتبدو حياتهم راكدة فيما تخفت أحلامهم بالعودة إلى ديارهم سنة بعد سنة.

ونظراً إلى قلّة توفّر التعليم العالي أو التدريب المهني – والقيود في البلدان المستضيفة التي تعيق قدرتهم على العمل – فإنّ هذا النزاع لا يهدد بسلب اللاجئين منازلهم فحسب، بل مستقبلهم أيضاً.

في هذا السياق، تسعى "ريبوت كامب" ReBootKamp أو RBK، المنظمة غير الهادفة للربح في وادي السليكون المتخصّصة في التعليم، إلى منع هذا الجيل من السوريين من أن يصبح جيلاً ضائعاً، وذلك عبر منحه فرصة لتعلّم مهارات تخوّله من أن يصبح جاهزاً للسوق وأن يجد وظائف في مجال التكنولوجيا الذي يشهد نمواً سريعاً.

في أواخر ربيع 2016، ستحاول "ريبوت كامب" أن "تعيد تشغيل" reboot حياة اللاجئين المقيمين في شمال الأردن، عبر توفير برنامج لتعليم التكنولوجيا بنموذج معسكرات التدريب الرائجة في أمريكا الشمالية منذ عدّة سنوات.

كما سيفتح البرنامج أبوابه أمام الأردنيين لأنّ الجامعات المحلية تعاني لتزويد الطلاب الأردنيين بالمهارات الرقمية اللازمة ليصبحوا جاهزين لدخول سوق العمل، ما ينجم عن معدلات بطالة مرتفعة في أوساط خريجي علوم الكمبيوتر، وفقاً للمدير التنفيذي لـ "ريبوت كامب"، هيوغ بوزلي.

ترى المنظمة أنّ هاتين المجموعتين واعدتان للغاية، لذا تريد أن تُطلق إمكاناتهم عبر استضافة معسكرات تدريب داخل منشأة تُدعى "ذات لاب" ZaatLAB من شأنها أن تكون بيئة تعلّم مركّزة، وذاتية الطاقة ومؤلفة من وحدات، وقابلة للنقل والتوسيع، وتضم حواسيب وغيرها من المعدات التكنولوجية.

أما معسكرات التدريب المهني فهي برامج مهنية غامرة بتنا نراها في أماكن مثل أمريكا الشمالية كحلولٍ بديلة لشهادات علوم الكمبيوتر التقليدية التي تستلزم أربع سنوات، وهي مصمّمة لتلبي الطلب التنامي على العاملين في مجال التكنولوجيا.

وبالحديث عن التعلّم بأسلوب معسكرات التدريب، يقول بوزلي: "يمكننا أن نقدم في أربعة أسابيع ما لا يمكن للجامعات أن توفره في أربع سنوات."

سوف تتم إقامة "ذات لاب" الأول خارج مخيم الزعتري للاجئين بحيث يمكن للاجئين الذين يقطنون داخل المخيم وخارجه، كما وللأردنيين، أن يقصدوه. وسيتم تقسيم منهج المعسكر بالنصف ما بين ترسيخ المهارات التقنية وتعزيز المهارات الأخرى مثل ثقافة العمل المهني.

ولدى استكمال الدورة، تنوي "ريبوت كامب" أن توظّف بعض المتخرّجين في شركة تطوير ويب تنوي إطلاقها تُدعى "استوديو ريبوت كامب" Studio RBK، ويقول بوزلي إنّها ستكون فرصة جذابة للانتقال إلى الخارج والعمل مع الشركات التكنولوجية القائمة في وادي السليكون.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم ربط مرشّحين آخرين بوظائف في شركاتٍ في وادي السليكون قد أبرمَت شراكات مع المبادرة. و"لقد تلقينا تعهدات بتوظيف كل مبرمج نخرّجه. فالإقبال كبير إلى هذه الدرجة،" كما يشرح بوزلي.

ومع أنّ القيود الحكومية في الأردن تمنع معظم السوريين من العمل بشكل قانوني، يقول بوزلي إنّ الكثير منهم يعملون – ولو كان في مجالات لا تتطلب مهارات مرتفعة. ويضيف أنّ هناك مجالات قانونية غامضة يمكن أن تسمح للسوريين بشغل وظائف في مجال التكنولوجيا المحلي. "هناك عدد لا بأس به من اللاجئين يعملون الآن في مجال التكنولوجيا."

ضربٌ من الإلهام

نشأ الإلهام وراء "ريبوت كامب" منذ ما يقارب العام، حينما كان بوزلي يعمل مع "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" UNHCR في الزعتري للمساعدة على إدارة برامج رياضية للاجئين.

 في ذلك الحين، و"فيما كنتُ أغادر المخيم ذات يوم، أدركتُ أنّني لم أرَ أيّ جهاز كمبيوتر في المخيم،" حسبما يقول بوزلي الذي سأل بعد ذلك أحد ممثلي المخيم عن أيّ موارد كمبيوتر متوفرة في الزعتري.

ووفقاً لما يذكر، "لم تكن المندوبة تعرف عن وجود أيّ منها. وبما أنني من وادي السليكون وأعرف أن هذا النوع الجديد من المعسكرات التكنولوجية ينتشر، بدأت الفكرة تراودني."

قدم بوزلي اقتراحاً غير رسمي للمفوضية بشأن تنفيذ معسكر لتعليم الترميز coding للاجئين، ومن ثمّ بدأ يبني شبكةً من الشراكات لإطلاق المشروع إلى جانب شريكه علاء قاحل.

تمثيل رقمي لداخل "ذات لاب".

من الطرق التي حصلت "ريبوت كامب" فيها على الدعم كان اللجوء إلى شركات في وادي السليكون. فقد "كان من السهل إقناع هذه الشركات بالفكرة، إذ سارع وادي السليكون للانضمام إلى المشروع وألقى بكلّ ثقله فيه،" على حدّ قول بوزلي.

من جهةٍ ثانية، اتّسمَت الشراكات داخل الأردن بالقدر عينه من الأهمية، فوفّرت لـ"ريبوت كامب" أفكاراً وموارد بالغة الأهمية لازمةً لتنفيذ نموذج التعليم الشبيه بمعسكرات التدريب وسط بيئة جديد.

عندما ينطلق البرنامج بشكل رسمي، تسعى "ريبوت كامب" إلى تسهيل عملية تنفيذه عبر السعي لاستهداف مشاركين يمتلكون أصلاً خلفية في علوم الكمبيوتر. ويقول بوزلي: "سنعمل في البدء مع الأفضل، أولئك الأقرب من المجال".

التعليم في يد الطلاب

سوف يغطي المعسكر الأول لغة البرمجة المتقدّمة "جافا سكريبت" Javascript التي تُعَدّ، بحسب بوزلي، مهارةً مطلوبة للغاية من قبل الشركات التكنولوجية المحلية. وللتمكن من المشاركة، يحتاج المشاركون الأوائل إلى فهمٍ مبدئي للغة الإنجليزية، علماً أنّ شق المهارات اللينة من الدورة سيقدم باللغة العربية.

وفي المستقبل، سيفتح البرنامج أبوابه أمام المرشّحين الأقل خبرة وسيتوسّع ليقدم دورات أكثر بدائية في الكمبيوتر.

قبل دخول المعسكر، سوف تقيم "ريبوت كامب" دروساً تمهيدية وتدريباً لتحضير اللاجئين لبيئة تعليمها المختلفة تماماً، وهي "لمقاربة مختلفة وعملية للتعليم، إذ يمكن القول إنّها نقيض ما اعتادوا على تعلّمه هنا تقريباً،" بحسب بوزلي.

لن تنطوي الطريقة على نموذج الأستاذ والطالب، بل ستلجأ إلى أسلوب البرمجة بين النظراء. وبدلاً من الأساتذة سوف يشرف على المعسكر سبعة وسطاء يُطلق عليهم اسم "الميسّرين"، كلٌ منهم مدرَّبٌ على مساعدة المشاركين بطريقةٍ فريدة، بحيث أنّ "بعضهم مدرب للتعرّف إلى التوتر والتعب، وغيرهم مدرّب لمعالجة هذا التوتر."

وبينما سيُعيّن لكلّ مشاركٍ مرشدٌ يلتقي به لمدة 30 دقيقةً كلّ أسبوع، ستّتسم معسكرات "ريبوت كامب" بالتنوّع وستخصّص 60 في المئة من المقاعد للمشارِكات الإناث.

يُدرك بوزلي أنّ إطلاق برنامجٍ مُعَدٍّ في أمريكا الشمالية لا يمكن ضمان سيره بطريقةٍ سلسة في شمال الأردن. ويقول: "نتوقع أنّ نضطر إلى إدخال التعديلات والتغييرات الصغيرة هنا وهناك"، مضيفاً أنّه من المستحيل التعرّف إلى بعض المشاكل قبل أن يجري البرنامج فعلياً، وعندئذٍ يمكن الإجراء التعديل.

تقضي الخطة بإنشاء عدّة مختبرات "ذات لاب" في الأردن ومن ثمّ التوسع لخدمة مجتمعات اللاجئين المستقرّة وكثيفة السكان، في أماكن مثل لبنان وتركيا وغيرها.

ومع تقدم الوقت، ينوي البرنامج الاستمرار في تدريب دفق ثابت من الشباب المعرّضين للخطر والذين يحتاجون إلى برنامج مثل "ريبوت كامب"، ما يعطي بوزلي وشركاه الكثير من الوقت ليبنوا شبكتهم ويبلوروا منهجهم.

لكنّ الأهم هو أنّه حيثما لا يرى البعض سوى الموت والدمار والتطرف، تختار "ريبوت كامب" أن ترى تداعيات النزاع على أنّها فرصةٌ لإحداث التغيير الإيجابي والعمل باتجاه مستقبلٍ لا يعيد نفسه.

وحسبنا يختم بوزلي، فإنّه"عندما ننظر في أنحاء مخيمات اللاجئين، لا نرى اليأس ولا المأساة. بالتأكيد أنّ هذه الأمور موجودة، إنّما ما يسطع في وجهنا هو قدرة هذه الروح البشرية على الصمود وحجم الإمكانات الفكرية العظيمة التي تتوق لأن يتمّ استغلالها." 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.