English

هل ينجح هذا الشاب المصري في تصوير الكلام فعلاً؟

English

هل ينجح هذا الشاب المصري في تصوير الكلام فعلاً؟

Voud Aly Mohamed

مخترع "فاوند"، علي محمد في مسابقة مدعومة من الاتحاد الأوروبي للعلماء الشباب. (الصورة من "ومضة")

يظهر علي محمّد على أنّه عبقريّ، على الرغم من أنّه لم يظهر كذلك في بادئ الأمر. وفيما يشرح المفاهيم المعقّدة في جهاز الواقع المعزز augmented reality الذي ابتكره، تتنبّه إلى أنّ هذا الشاب البالغ من العمر 21 عاماً لم يدخل إلى الجامعة بعد، وتتفاجأ بقدراته.

في عام 2012 وفي معرض العلوم في مدرسته، صمّم محمد نظّاراتٍ تساعد الشخص الأصمّ. ثمّ راح هذا المشروع يشهد أحداثاً تصاعديّة عدّة، بدءاً بعامٍ من دون دراسة بعد حصول محمّد على شهادة الثانويّة العامة سنة 2013 (حيث كان من المفترض أن يذهب إلى بريطانيا لدراسة علم الاقتصاد)، مروراً بشركة ناشئة، وصولاً إلى مواظبة العمل لمدّة ثلاث سنوات على البرمجة المتقدّمة وصناعة النماذج الأوّلية (من دون أن يعلّمه أحد) وتحقيق إنجازاتٍ كبيرة منها الحلول بالمرتبة الثالثة في "مسابقة الشركات الناشئة العربيّة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT’s Arab Startup competition عام 2014.

واليوم، وصل مشروع "فاوند" Vound (الذي يرمز إلى اسم مركّب باللغة الإنجليزية من كلمتي الصوت sound والصورة vision) إلى مفترق طرق: من جهة، لا يزال أمام محمد فصل دراسي كامل في مدرسة داخليّة سويسريّة (لكنّه بعد السفر ذهاباً وإيابا بين جينيف ومصر، يقول إنّ عليه الاختيار بين الدراسة و"فاوند"). ومن جهةٍ أخرى، فإنذ المنتَج النهائي، ومع الاهتمام والعمل المثابر قد يصبح جاهزاً في غضون 18 شهراً.

رؤية الأصوات   

يبدو مفهوم "فاوند" طموحاً، فهو عبارة عن نظّارات تنتج الرسوم والكلمات من الأصوات، وتعتمد على برمجيّةٍ تتعلّم من الخبرات السابقة، وتتمتع بذكاءٍ اصطناعي AI يقدّم اختيارات بصريّة في النظارات بحسب الموقع الجغرافي.

بعكس الواقع الافتراضي virtual reality، يضيف الواقع المعزز صوراً يُنتجها الكمبيوتر فوق ‘رؤية‘ الإنسان الطبيعيّة ويقدّم له بذلك رؤية "معززة" عن العالم من حوله. وأكثر الأمثلة شهرة في هذا الإطار هي نظارات "جوجل" Google Glass، التي سعى محمّد إلى تجربتها لكّن طلبه رُفض لأنّه دون الـ21 عاماً.

Vound

نموذج عمّا يمكن أن تبدو عليه "فاوند" في المستقبل: قدّم عالم الأنثروبولوجيا داريو باسكاريلا مفهوم التطبيق والنظارات هذا في "تيد إكس ميلان" TeDxMilan، مستعيناً بمحطّة قطارات كمثال عن الموقع الجغرافي لعرض المنتج (الصورة من "يو توب" Youtube)

عمل محمّد برفقة أخيه الذي يبلغ الآن 13 عاماً وفريقٍ من المبرمجين (الراشدين) الموظّفين على تنفيذ المفهوم، فطوّروه وموّلوه بأنفسهم بالاستعانة ببعض ملاحظات أستاذ الثانوية، ومؤخّراً بنصائح مرشدين في الولايات المتّحدة.

تمّ بناء النموذج الأولي الذي يمرّ الآن في مرحلة التعديل الرابعة، باستخدام طابعةٍ ثلاثيّة الأبعاد غير قانونيّة. وفي نهاية المطاف، يسعى هذا المنتَج إلى ضمّ 24 ميّزة لتحويل الأصوات إلى صور وإشارات ملموسة.

وتشمل هذه الميّزات إرسال رسائل صوتيّة تلقائيّة إلى خدمات الطوارئ؛ ولوحة مفاتيح فائقة السرعة في حلقة المفاتيح تترجم أي نصّ مكتوب إلى نصٍّ محكي كيلا يضطر المستخدم إلى كسر عمليّة ‘تلاقي النظر‘ الأساسيّة؛ وذكاء اصطناعي يحدّد الموقع الجغرافي ويقدّم في سياقه جُمَل مقترَحة على شاشة هذا الجهاز الذي يمكنه أن يحوّلها إلى كلام؛ وخدمة التعرّف إلى الصوت؛ والقدرة على نقل أصوات الطبيعة الجميلة التي تصدرها الرياح والمياه، بما يشبه المزج المنظّم بين الحواس.

يشير محمّد إلى أنّه "كأفراد لا نسمع الأصوات بل نشعر بها"، مضيفاً أنّ "الجهاز يأخذ الموجات الصوتيّة ويحوّلها إلى تمثيلاتٍ بصريّة."

كذلك، يشرح أنّ منافعه تكمن في أنّه لا يتطلّب جراحة مثل زرع القوقعة cochlear implant، أو أيّ تدريبات خاصة، ويمكن أن يكون في متناول أغلب الأشخاص الذين يعانون من الصمّ وضعف السمع الباغ عددهم 360 مليون شخص في العالم.

نشأت فكرة هذا الجهاز، ليس لأنّ محمّد يعرف أشخاصاً صمّ، بل لأنّه يعاني من رؤية نفقيّة tunnel vision.

عندما كان يركّز هذا المراهق على عملٍ ما، لم يكن يسمع جرس الباب أو صفارات الإنذار أو الأشخاص الذين يتكلّمون معه في الغرفة نفسها. لذلك، افترض الناس أنّه أصمّ أو حتّى غبيّ مما شكّل ضغطاً وإجهاداً كبيراً عليه.

وفي ذلك الحين كان يقرأ عن ظاهرة "الإشارات الصوتيّة" sound signatures، ونتيجة لذلك نظر إلى ما يمكن أن يصنعه باستخدام الأدوات التي في حوزته: كان لديه لعبةٌ إلكترونية عن الواقع الافتراضي أتت مع جهاز يوضع على الرأس، كما كان لديه جهاز "رسبري باي" Raspberry Pi.

"أردتُ فعلاً أن أكسر [جهاز اللعبة] لأرى ما بداخله، لكنّه كان باهظ الثمن، فقلتُ إنني أحتاجه لمشروع علمي، "حسبما يقول محمد الذي استطاع إقناع أهله بمخطّطه.

لكنّ النتيجة الأساسيّة كانت "سيّئة، ولم أحبّ [الجهاز]" إذ إنّه لم يكن يحتوي على نظّارات يمكنك أن ترى من خلالها.

مجال الواقع المعزز كبر بسرعة

عالميّاً، لطالما شكّل الواقع المعزز والمجالات القريبة منه مثل الواقع الافتراضي "الأمر البعيد القريب" في عالم التكنولوجيا.

كتب نيل ستيفنسون في عام 2014، عندما أصبح مدير الخطط المستقبليّة في "ماجيك ليب" Magic Leap، أنّه "من الناحية التطبيقيّة، تطلّب جعل هذه التكنولوجيا جاهزة للاستخدام وقتاً أكثر من المتوقّع، وقد ظهر الشيطان في تفاصيل تلبية مطالب النظام البصري الإنساني الدقيق."

وبدوره، يقول الرئيس التنفيذي لـ"أبيك جايمز" Epic Games، تيم سويني خلال معرض "شاينا جوي" ChinaJoy التجاري: "إنني مقتنع بأنّ الواقع المعزز سيشكّل الثورة التكنولوجيّة الأكبر التي سنشهدها في حياتنا."

هذه التكنولوجيا التي يتمّ التنبؤ بوصولها منذ سنوات، بدأ سوقها بالنموّ السريع في الأشهر الأخيرة.

يتمّ التخطيط لإطلاق جهاز "أوكولوس ريفت" Oculus Rift في آذار/مارس، كما أنّ عدّة "سامسونج" للواقع الافتراضي Samsung’s Gear VR التي شهدت تخفيضات على الأسعار في العام الماضي، تُعدّ اليوم الجهاز الذي جعل حصول عامة الشعب على أجهزة الواقع الافتراضي "مسألة مهمّة". من جهة أخرى، تطوّر "جوجل" Google جهازاً يوضع على الرأس للهواتف الذكيّة سيتمّ إطلاقه هذا العام أيضاً، بناءً على فكرة ورق الكرتون cardboard concept.

ووفقاً للبيانات عن الشركات الناشئة التي تقدّمها "سي بي إنسايتس" CB Insights في تقريرها لشهر كانون الثاني/يناير، فإنّ الاستثمار في الشركات الناشئة العاملة في مجال الواقع المعّزز شهد "أعلى أرقامه" في الربع الأخير من عام 2015، فيما وضع المستثمرون تمويلاً بقيمة 658 مليون دولار أميركي في 126 صفقة.

CB Insights

لتقديم فكرة عن حداثة هذا القطاع، يجدر الذكر أنّ ثلاثة أرباع هذه الاستثمارات تصبّ في شركاتٍ في مراحلها الأولى.

وتشير الشركة الاستشاريّة في هذا المجال، "ديجي كابيتال" Digi-Capital (والتي وصلت استثماراتها في الواقع المعزز والواقع الافتراضي إلى 686 مليون دولار العام الماضي)، إلى أنّه يتمّ استثمار الأموال في الفيديو والخدمات والألعاب والشاشات التي توضع على الرأس.

كذلك، وفي منشورٍ في شهر كانون الثاني/يناير على مدوّنتها، تُضيف الشركة أنّ "هذه السنة قد تشكّل نقطة تحوّل لاستثمارات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، إذ إنّها قد تنتقل من بضعة مستثمرين إلى مجتمع أكبر من صناديق التمويل وشركات الاستثمار. وقد يؤدّي اعتماد المنصّات الواقع المعزز والواقع الافتراضي القادم إلى زيادة النموّ حتى 120 مليار دولار بحلول عام 2020."

كما هي الحال عليه في العالم كلّه، فإنّ هذا المجال جديدٌ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن، كما سبق وذكرت "ومضة" في آب/أغسطس من السنة الماضية، فإنّ عدد الشركات الناشئة الإقليميّة العاملة في مجال الواقع المعزز يتزايد، بالأخصّ في الإمارات أو في الولايات المتحدة.

ومن هؤلاء، شركتا "بيكسل باج" Pixelbug و"تايك ليب" TakeLeap اللتان تقدّمان محتوى الواقع المعزز، والنظارات التي طورّتها "مختبرات أثير" Atheer Labs (التي أسّسها اللبناني سليمان عيتاني وتتخذ من بالو ألتو مقراً لها) خفّضت أسعارها في كانون الثاني/يناير، كما أنّه يوجد تطبيقات طبيّة لهذه التكنولوجيا تتطوّر وتخضع للاختبارات في المنطقة العربيّة.

هل سيتأخّر "فاوند"؟

في الغرفة التي قابل فيها في "ومضة"، يقوم محمّد، الذي اعتذر مراراً وتكراراً عن أدائه في "اللقاءات الفردية"، بعرض شرائح "باور بوينت" Powerpoint تُظهر تفاصيل علنية وأخرى فائقة السرية لجهاز "فاوند".

تقدّم محمّد بطلباتٍ لثلاث براءات اختراع في الولايات المتّحدة مستعيناً بأموال أبيه، لكّنه لا يخفي قلقه حيال مستقبل مشروعه الذي يتمتّع بشغف تجاهه.

من جهةٍ أخرى، لم يتقدّم محمّد بطلب تسجيل سوى إلى جامعة "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT، التي تقبل 3% من الطلبات المقدّمة إليها، لأنّه يعتقد أنّها الجامعة الوحيدة التي يمكنها أن تقدّم له الدعم لتحقيق النجاح مع "فاوند". كذلك، وفيما يناهز هذا المبتكِر الشاب 22 عاماً، فلم يتبقّ أمامه الكثير من أجل خياره الآخر، زمالة "ذا ثيل" The Thiel Fellowship، التي تقدّم منحة بقيمة 100 ألف دولارٍ للشباب الذين يريدون ترك مقاعد الدراسة والعمل على تطبيق فكرتهم الرياديّة.

ولكن في هذا الوقت، يواجه محمّد خطر الانتظار، فإذا انتظر بعد قد يقوم أحد بتسويق فكرته قبله.

تمّ تأسيس المفهوم الواسع لهذه التكنولوجيا قبل أن يفكّر محمّد فيها؛ ففي أواخر عام 2010  تمّ إطلاق "بابل فيسك" Babel Fisk الجميلة التصميم ولو كمفهوم فقط؛ وفي عام 2012، قدّم عالم الأنثروبولوجيا داريو باسكاريلا تطبيقاً ونظارات متخصّصة في "تيد إكس ميلان" TeDxMilan، تؤدّي الوظائف نفسها تقريباً التي تنوي "فاوند" تقديمها. فضلاً عن ذلك، أطلقت "ميتا" Meta أوّل نظامٍ تجاري لنظارات الواقع المعزز في عام 2014، كما عرضَت نظارات مشابهة أخرى للبيع أو الطلب في أواخر العام الماضي.

في غضون ذلك، تتحسّن برمجيّة تمييز الكلام التلقائي باستمرار من خلال التطبيقات المفتوحة المصدر، مثل "بوكيت سفينكس" Pocketsphinx أو "بايد فور أوبشنز" paid-for options، وتبنّي المستخدمين للذكاء الاصطناعي يصبح أسهل وأسرع.

في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تنحصر المنافسة على مجال ترجمة لغة الإشارات. وفي هذا الإطار، تطلق "كين ترانس" KinTrans في الإمارات أداة ترجمة موجّهة للشركات، في حين تقدّم الشركة الناشئة اللبنانيّة "ميميكس" Mimix تطبيقاً يتوفّر حاليّاً في متجر "جوجل" للتطبيقات Google Play Store.  

ولكن بينما يزدهر سوق الواقع المعزز، سيلحظ المصمِّمون وروّاد الأعمال الإمكانيات التي لحظها محمّد عام 2012 في "المساعدات السمعية البصريّة" ضمن سوق الصمّ.

مع النسخة النهائيّة للمنتَج المصمّم ذاتيّاً والمتقدّم تكنولوجيّاً، التي من المحتمل أن تطلق بعد 18 شهراً، ومع النماذج السابقة التي تتلقى ردود فعل إيجابية من مجتمع الصمّ في مدينة سان فرنسيسكو والخبراء في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" وجامعة "هارفرد" Harvard، يبدو أنّ هذا الشاب قد ينجح على صعيد العالم إذا تمكّن من إطلاق المنتج في الوقت المناسب.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.