English

هكذا تمكنت هذه الشركات الأربعة من زيادة كفاءة الزراعة

English

هكذا تمكنت هذه الشركات الأربعة من زيادة كفاءة الزراعة
الصورة عبر «أجرو سنتا Agrocenta»

خلال رحلة عمل إلى سويسرا هذا العام، أُتيحت لي الفرصة للالتقاء بالكثير من الشركات الناشئة من مختلف أنحاء العالم، وخصوصاً من الأسواق الناشئة.

تعمل الكثير من تلك الشركات في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا الزراعية، ولهم هدف مشترك واحد: الحد من تكلفة الوسيط.  

«إي فيشري eFishery» هي شركة ناشئة إندونيسية تعمل على تطوير أجهزة إطعام الأسماك الذكية في مزارع الأسماك وتستخدم مستشعرات لتتبع مستويات الطاقة لدى الأسماك لتحديد أوقات تقديم الطعام لها. أتى جبران حذيفة، مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي، بفكرة نظام تغذية مؤتمت للأسماك بعدما أدرك أن عمال المزارع في بعض الأحيان يفرطون في إطعام الأسماك أو قد لا يطعمونها في الوقت المناسب.

كان الحل الذي توصل إليه هو إلغاء الوسيط، أو مقدم الطعام للأسماك في هذه الحالة.

وهذا مجرد مثال واحد فقط نسوقه على فكرتنا.

تعتبر الزراعة قطاع مثير لاهتمام المستثمرين.

يقول إيريك يونج، الرئيس التنفيذي لشركة «جرين تك كابيتال بارتنرز GreenTec Capital Partners»، وهي صندوق يستثمر في الزراعة والرقمنة والموارد المستدامة: "يوجد في أفريقيا بعض أكثر الأراضي الزراعية إنتاجية في العالم بأسره". مع ذلك، فإن أحد التحديات التي تواجه هذا القطاع هو أن المزارعين التقليدين غير قادرين على بيع محاصيلهم بكميات كبيرة أو شراء كميات كبيرة من البذور لأنهم لا يعرفون كيفية الوصول إلى كبار موردي الأغذية، ولذلك ينتهي بهم الحال إلى إهدار محاصيلهم أو بيع كميات أصغر إلى الموردين المحليين، وبذلك يخفقون في تحقيق الأرباح أو توسيع مزارعهم.

جهاز إطعام الأسماك الذكي في «إي فيشري». (الصورة عبر «إي فيشري»)

ولهذا السبب، ولسنوات طويلة، اعتمد هذا النوع من الأعمال التجارية على الوسطاء (شركات الأغذية) التي تشتري محاصيل المزارعين بكميات كبيرة وتوزّعها محلياً وعالمياً.

أضاف يونج: «المشكلة الأعم بالنسبة لقطاع الزراعة في أفريقيا هي غياب الكفاءة. تكمن مشكلة غياب الكفاءة عبر سلسلة القيمة، بدءاً من المزارعين الذين يمارسون الأساليب الزراعية التي عفا عليها الزمن وحتى تلف المحاصيل نتيجة سوء الربط بين الأسواق. من وجهة نظر بائعي الأغذية، يعني ذلك أنه لا توجد طريقة منظمة للتواصل مع المنتجين الزراعيين ومحدودية إمكانية التنبؤ بتوفر الإمدادات، وبالتالي الأسعار. وبالنسبة للمزارعين، فإن ذلك يعني أنهم يفتقرون إلى إمكانية الوصول المباشر إلى الأسواق، مما يجبرهم على البيع بأسعار تقل عن معدلات السوق".

تعاني الكثير من الدول الأفريقية من مشاكل الأمن الغذائي، ويعتبر الوسطاء «أكباش الفداء» المؤقتين الذين يتحملون اللوم عن أي شكل من أشكال غياب الكفاءة في سلاسل القيمة هذه.

ورغم أن الوسطاء كانوا الحل المناسب لسنوات طوال، لكن فكرة وجود شركة كطرف ثالث لشراء وبيع المنتجات الغذائية نيابة عن المزارع تجعل المنتجات أكثر تكلفة، حتى في حالة بيعها محلياً.

في إطار سعيها لدعم الابتكار في هذا القطاع، استثمرت شركة «جرين تيك GreenTec» في «فارم كراودي Farmcrowdy» وهي منصة إلكترونية تربط المزارعين مباشرة بالرعاة للتأكد من أن أصحاب المزارع يقومون بإنتاج الأغذية وبيعها للأسواق، مما يؤدي إلى زيادة إيراداتهم وتوسعة مزارعهم في نهاية المطاف.

وفي هذا الصدد يعلّق يونج قائلاً: "أبدينا اهتماماً بمنصة «فارم كراودي» لعدة أسباب: أولاً، نيجيريا هي إحدى أكبر الأسواق الأفريقية وتشهد أعداداً كبيرة من المستثمرين الأجانب؛ ثانياً، لدى الشركة فريق قوي يتمتع بالخبرة؛ وثالثاً، كان لدينا اهتمام كبير بنموذج أعمالهم، حيث نعتقد أن سيكون من شأنه ترك بصمة اجتماعية راسخة وتحقيق الأرباح أيضاً. وعلى وجه التحديد، يوفر نموذجهم للمزارعين مصدر بديل للتمويل ويتيح لهم توسعة مزارعهم وتحسين عوائدهم".

تشير دراسة أجراها البنك الدولي إلى أن الزراعة في أفريقيا تعتبر غير ناجحة أو غير قادرة على المنافسة بسبب سوء حالة الطرق، وخدمات الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية التي لا يمكن الاعتماد عليها، ونظم حيازة الأراضي التي لا تكفل ضمان حقوق الملكية، والموانئ المزدحمة، وبطء وتيرة التطور التكنولوجي، ومشاكل الرقابة العمالية، والكثير من العوامل الأخرى المختلفة. كما تشير دراسة أخرى للبنك الدولي إلى مشكلة أساسية أخرى، وهي الاستخدام غير السليم للأراضي الوفيرة في أفريقيا. تضمنت الدراسة: "إن مساحة الأراضي التي تستخدمها الأسر في زراعة المحاصيل تظل صغيرة (بين 0.3 و0.51 لكل شخص بالغ)، مع محدودية استخدام الميكنة. الاستثناء الرئيسي هو دولة النيجر، حيث تعتبر الأراضي أقل خصوبة وزراعة المحاصيل أكثر انتشاراً".

تبحث الشركة الناشئة أجرو سنتا القائمة في غانا عن حلول لبعض هذه القضايا. لا تلغي الشركة دور الوسيط، لكنها، مع ذلك، تتيح للمزارعين إمكانية التعامل مع وكيل محلي واحد يستطيع تزويدهم بالمعدات الزراعية والأسمدة وضمان بيع منتجاتهم بأسعار منصفة في السوق.

بحسب مايكل أوكانسي، الشريك المؤسس لشركة أجرو سنتا، فإن الكثير من المجتمعات الزراعية في غانا تعتبر متخلفة، ويعاني المزارعين من شدة الفقر والأمية. وأوضح أن المزارعين، بسبب الأساليب الزراعية التقليدية، لا يمكنهم الاستفادة سوى من 4,000 متر تقريباً من أراضيهم، وهو ما يكفي لإطعام عائلاتهم و"بيع ما يتبقى للوسيط بأسعار زهيدة، وبذلك يظلوا فقراء".

تسجل أجرو سنتا المزارعين على تطبيقها من خلال شبكتها المكوّنة من 30 وكيل محلي في مختلف مناطق غانا، وتقوم بتحميل حجم المخزون، وتشتري المنتجات بسعر عادل، وتبيعها لشركات الأغذية. وأوضح أوكانسي أنه ينبغي إدخال الكثير من البيانات في هذه المرحلة من العملية، إلا أن المزارعين غير قادرين على عمل ذلك بأنفسهم لأنهم يفتقرون إلى الدراية التقنية، لكن الهدف هو أتمتة العملية في المستقبل.

يزوّد الوكيل المحلي، الذي يحصل على أجره على أساس العمولة، المزارعين أيضاً بالبذور، والأسمدة، والخدمات الأخرى التي تعين المزارعين على استخدام هكتارات أكثر من أراضيهم. تعمل الشركة الناشئة الواقعة في أكرا، عاصمة غانا، مع أكثر من 12,000 مزارع في الوقت الحالي وقد جمعت مبلغ 230,000 دولار من مستثمر سابق وربحت 500 دولار من مسابقة «سيد ستارز Seedstars Global». قريباً، ستتوسع أجرو سنتا في مختلف أنحاء غانا ومن ثم إلى نيجيريا في عام 2019.

الوسيط: نتيجة الأسواق المفتتة

يمكن أن يكون وجود الوسيط في الصناعات الزراعية علامة على تفتت السوق، في كل من الإنتاج والبيع بالتجزئة. وكما أفاد جرانت بروك، المدير التنفيذي لشركة «تويجا فودز Twiga Foods»: "المحلات التجارية صغيرة جداً، والموردين محدودون جداً، ولذ يحتاجون إلى طبقات من الوسطاء لتوفير خدمات التجزئة. والشركات التي تستخدم التكنولوجيا لجمع هذه الأطراف المفتتة في طرف واحد آخذة في الظهور، نظراً لإمكانية اكتساب اقتصاديات حجم كبيرة من خلال إلغاء الطبقات المتعددة في السوق".

تربط شركة جرانت بروك الناشئة القائمة في كينيا المزارعين بالبائعين مباشرةً من خلال منصة إلكترونية. وفي العام الماضي، استطاعت الشركة جمع مبلغ 10.3 مليون دولار في جولة تمويلية من الفئة «أ» لتوسيع نطاق شبكة البائعين الذين تتعامل معهم. وتزعم أنها تمكنت من تغيير قواعد اللعبة لصالح للمزارعين من خلال الحصول على أسعار أفضل، والوصول إلى الأسواق المحلية، وإعطاء نصائح حول تنمية العمل التجاري، والسداد السريع للمستحقات.

بعض المنتجات التي تباع عن طريق «تويجا فودز». (الصورة عبر تويجا فودز)

يوضح بروك: "نقدم خدمة التوصيل المجاني ومنتجات ذات جودة أفضل. وهذا يوفر على البائعين عناء رحلات قد تمتد لساعات طويلة إلى السوق وتقلل خسارة مخزونهم بسبب الجودة. خلال 6 أشهر، يضاعف البائع المتوسط الذي يتعامل مع تويجا حجم طلبياته اليومية. وبذلك، أصبحوا يقومون بالمزيد من الأعمال بكل تأكيد".

يعني ذلك للزبائن توافر منتجات ذات جودة أفضل، نظراً لأن لدى تويجا أنظمة خاصة بمتابعة وسلامة الأغذية. إن العمل في الأسواق المفتتة في أفريقيا، حيث لا تزال البنية التحتية الملائمة لبيع الأغذية قيد التطوير، يمكّن الشركات الناشئة مثل أجرو سنتا، وتويجا فودز، وفارم كراودي من تقديم قيمة مضافة وسد الفجوة القائمة بين المزارعين والمستخدمين النهائيين. وكما أشار بروك، فإن هذه الفجوة لا تقتصر على أفريقيا وحدها، ولكنها موجودة أيضاً في أسواق أخرى.

فيقول: "ثمة 52 مدينة يسكن بها أكثر من مليون نسمة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وغالبيتهم يواجهون تحديات غذائية مشابهة على صعيد الاقتصاد الكلي. علاوة على ذلك، شاهدت عدداً من الشركات المماثلة في الهند، وإندونيسيا، وأميركا اللاتينية".

إن هدف تويجا الرئيسي الآن هو توظيف المزيد وتأسيس مراكز تجميع منتشرة لتلبية احتياجات مختلف المناطق الزراعية. سيساعد ذلك الشركات الناشئة على ضمان تدفق مستمر من الإمدادات عندما تتأثر مناطق معينة بالجفاف.

يبدو أن كثرة المشاكل في القطاع الزراعي تعطي الفرصة للشركات الناشئة للتقدم، والابتكار، وجعل العمليات أكثر كفاءة وربحية. الوقت وحده سيخبرنا كيف سيتطور هذا القطاع ليصبح أكثر تنافسية، ونوعية التحديات التي ستظهر أمامه.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.