English

مساحات العمل المشتركة تشعل نار إبداع الشركات

English

مساحات العمل المشتركة تشعل نار إبداع الشركات

يعدّ تصميم المكاتب في الواقع أهمّ ممّا يعتبره معظم روّاد الأعمال في ما يتعلق بأداء الموظفين، ولذلك حرص "المركز اللبناني البريطاني للتبادل التكنولوجي" UK Lebanon Tech Hub على الاعتناء بهذا الأمر في مقرّه في بيروت.

قال المهندس المعماري اللبناني، ومصمّم "المركز البريطاني اللبناني للتبادل التكنولوجي"، هاني عصفور إنّ "أوّل ما تعلّمته في الجامعة كان عن أهمّية التصميم. فيمكن لأيّ فسحة أن تصبح مساحةً لتبادل المعرفة إذا تمّ تصميمها بالشكل الملائم."

من جهته، قال حسن صليبي، الشريك المؤسّس في "رودي تيونر"Roadie Tuner التي تعمل من تلك المكاتب، إنّ أهمّ ما في الأمر بالنسبة إليهم كان الحصول على فسحةٍ يمكنهم تعديلها كما يحلو لهم.

عصفور يلقي كلمته في "المركز اللبناني البريطاني للتبادل التكنولوجي". (الصورة من ميسا عجان).

وأضاف صليبي أنّه في بادئ الأمر، "بدأنا العمل في مخزنٍ كان في السابق مستودعاً لأمي. وعندما لم تعد بحاجةٍ إليه، أخذناه وحوّلناه إلى مشغلٍ إلكتروني، وأضفنا إليه مرماة أسهم dart board ومرسَاماً stencil، كما علّقنا الأدوات على أحد الجدران، وجعلناه يصبح مكاناً خاصاً بنا."

أمّا "المركز اللبناني البريطاني للتبادل التكنولوجي"، فيتألّف من فسحة عمل تمتد على ثلاثة طوابق بواجهات زجاجية وأبواب زجاجية منزلقة وإضاءة شبيهة بالنور الطبيعي. وهي مقسّمة بجدران بيضاء وأخرى شفافة تستخدمها الشركات الناشئة التي تعمل في المركز لتكتب عليها وتدوّن أفكارها، فيما تتصّل الطوابق الثلاث بدرجٍ رخامي.

وفي كلمةٍ ألقاها في ورشة عملٍ "للمركز البريطاني للتبادل التكنولوجي" بعنوان "مكان عمل الشركات الناشئة: استراتيجيات لتصميم فسحات مترابطة" 'The startup workplace: strategies for designing networked spaces، في أيلول/سبتمبر، قال عصفور إنّه لجأ إلى مفاهيم تصميم تعزّز الإبداع والتفرّد والكفاءة في مكان العمل – وهي مزايا أصبحَت بمثابة السمة المميِّزة لأماكن العمل التي يرغب فيها روّاد الأعمال.

استراتيجيات للمساحة

بحسب المفهوم الأوّل لدى عصفور وهو "مجموعات تنشئ شبكات" group forming networks، فهو يرى أنّه على تصاميم المكاتب أن تسهّل ذلك بقدر الإمكان.

وتكمن الفكرة هنا في أنّ الأشخاص الذين يعملون في فسحة عمل مشتركة، سواء كانوا موظفين أو روّاد أعمال، سيتبادلون الأفكار من دون شكّ، وسيتمّ تبادل هذه الأفكار بعد ذلك مع مجموعات أخرى؛ وبالتالي، هذا ما سيُنشئ شبكةً من الأفكار أكبر اقتصادياً واجتماعياً من مجموع أجزائها.

فوفقاً لعصفور، "لا مزيد من الحُجيرات المغلقة، ولا من الهيكليات الهرمية، حيث يطلّ مكتب المدير على الموظّفين. لقد ولّى عهد ذلك."

أمّا مفهومه الثاني، فيتمحوَر حول زيادة إمكانية التنقّل والاستقلالية الشخصية داخل المكتب.

فمع ازدهار الإنترنت، ذاعت فكرة أنّه يمكن للناس أن يعملوا أينما كانوا خارج المكتب، بما في ذلك في المقاهي أو في منازلهم. لكنّ عصفور قال إنّ الناس ما زالوا يفضلون قضاء الوقت وجهاً لوجه.

لذلك، تحتاج فسحات العمل المشتركة إلى تقليد فكرة سهولة التنقّل والتحكّم بما يحيطنا، وهي التي يتيحها العمل في أمكنةٍ غير خاضعةٍ لهيكليات مثل المقاهي. ومن المفيد هنا إدخال أفكار مثل الكراسي الدوّارة وغرف الاجتماعات المنفصلة وإمكانية تبديل مكان الجلوس.

وبدوره قال صليبي: "كنّا نبدّل المكاتب من وقتٍ لآخر في [مستودعنا] لجعل العمل أكثر متعة وتنوّعاً. لم نكن نريد أن نُشعرَهم بأنّنا نراقبهم ونشرف على أدائهم على الدوام."

ولأنّ المفهوم الثالث يقوم على أنّ التفاعل بين الناس أمرٌ بالغ الأهمية لتبادل المعرفة، فإنّ الدرج الممتدّ على ثلاث طوابق في المركز مصمّمٌ خصيصاً لتحقيق الاستفادة القصوى من "لقاءات تبادل المعرفة" knowledge capturing incidents، كما أنّ جدران مكاتبه الشفافة غالباً ما تُستخدم كألواح للكتابة لدى تبادل الأفكار والتخطيط.

"الممرّات تعزز فرص تبادل المعرفة، إذ فقد يلتقي الموظّفون ببعضهم البعض فيما ينزلون الدرج أو يصعدونه فيخبرون بعضهم بعضاً عن أفكارهم ويتحدثون. وهكذا نحوّل المعرفة الضمنية (التي في عقولنا) إلى معرفة واضحة،" حسبما قال عصفور.

المركز عندما كان في طور البناء (الصورة من "بوليبود" Polypod)

إنشاء فسحة إبداعية

باستخدام المفاهيم المذكورة أعلاه، يمكن لأيّ شركةٍ ناشئةٍ أو منظّمة أن تصمّم فسحةً تشجّع الإبداع وحساً من الحرية الشخصية لمن يعمل فيها.

وفي هذا الإطار، لدى عصفور بعض الأفكار بشأن ما يجب فعله وما لا يجب فعله لدى تصميم فسحتك الخاصة.

1.   لا تعتمد مخططاً تنظيمياً تقليدياً

قال عصفور إنّ الفصل بين الإدارة والموظّفين يعكس فصلاً في الهوية الثقافية، وهو أمرٌ مناقضٌ للشركات الناشئة الموجّهة إلى الثقافة اليوم.

وأضاف أنّه "لا يجب أن تخصّص مكتباً واسعاً للمدير، وحجيرات صغيرةً لسائر الفريق، فذلك لم يعد ينجح اليوم، ولا أحد يودّ رؤية أنّ المدير يحظى بفسحة أكبر من الباقين، لقد ولّت تلك الأيام."

لكنّ قرار استخدام هيكلية إدارة مسطّحة يبدأ من الأعلى: حيث يتصرّف المدراء كقدوةٍ للسلوك الذي يودّون رؤيته في الشركة. "على المدير (أو المؤسِّس) أن يجلس مع الفريق من دون مكاتب ولا مساعدين، فذلك يعزّز الإبداع والإنتاجية، كما يعزّز ثقتك بنفسك وهويتك،" على حدّ قول عصفور.

من جهته، حاول مروان سالم، مؤسّس "سلايدر" Slidr والذي يعمل حالياً من مكاتب المركز، أن يضمن بقاء شركته بعيدةً كل البعد عن هيكلية الإدارة الهرمية التقليدية، وذلك سبب من الأسباب التي تجعل تصميم مركز التبادل التكنولوجي مؤاتياً لفريقه.

وقال في هذا الصدد: "نحاول أن نحافظ على هيكليةٍ مسطّحةٍ بقدر الإمكان في الشركة. نحبّ التفاعل مع الناس ونحن صاخبون جداً، كما لا نضع مناصبنا وألقابنا على بطاقات عملنا؛ لا نضع عليها سوى أسماءنا."

2.   شجّع اللعب

لعبة الشطرنج، أو مرماة الأسهم، أو غرفة لأخذ القيلولة، كلّها أمورٌ لا بأس بها بتاتاً في ثقافة اليوم التي تتمحور حول الأداء.

"هنا أيضاً، يجب أن يبدأ ذلك من الأعلى. إذا رأى الموظفون المدير يقوم بذلك، سوف يتشجعون على القيام بالمثل،" كما شرح عصفور.

وبالنسبة إلى فريق سالم، فالقيلولات والاستراحات "أمرٌ مسلّم به" لأفراد الفريق، حيث يُعدّ الأداء والكفاءة أهمّ من عدد ساعات العمل، وهذا ما يوافق عليه صليبي وجلغة أيضاً.

فقال سالم موافقاً صليبي الرأي، إنّه "إذا كان أحدٌ متعباً، من الطبيعي أن يذهب ويتمّدد قليلاً، ونحن لا نسأل عن الأمر حتى. ما يهمّنا هو الإنتاجية، وهُم جميعاً يعملون بجهد كبير ويقدّمون نتائج جيدة."

أمّا صليبي، فعندما سألناه عن "وقت اللعب" لدى "رودي تيونر"، أجاب بأنّه "لدينا وقتٌ مخصّصٌ للّعب، ونحن مرِنين كذلك؛ نستمع إلى الكثير من الموسيقى ونعزفها أحياناً فجأة. من الصحيح أننا نحاول بناء مؤسَّسةٍ تجارية لديها منتَج، ولكن في النهاية نحن شركةٌ تُعنى بالموسيقى ونودّ أن نُبقي ذلك في ثقافتنا."

القيلة هامّةٌ أيضاً لأعضاء فريق "رودي تيونر"؛ وعن هذا الأمر قال صليبي: "لدينا أريكةٌ في [مكان شركتنا الناشئة الآخر]، من الشائع جداً أن يستخدمها أفراد الفريق. إذا كنت تشعر بالتعب والإرهاق لا يمكنك التركيز، ونحن نفهم ذلك."

3.   تفاعل مع المجتمع المحلي

"لا تحِط نفسك بسورٍ يُبعدك عن العالم،" حسبما قال عصفور مضيفاً أنّه "لا ينبغي أن تكون مكتفياً ذاتياً إلى درجة أن تدير ظهرك إلى المدينة؛ بل تفاعل مع العالم الخارجيّ."

ومن الأمثلة الجيدة عن كيفية دمج العالم الخارجي مع فسحة عمل مشتركة أو متّصلة ببعضها البعض، تقديم حسومات لأفراد الشركة في النوادي الرياضية والمطاعم. 

درج المركز بمثابة منصّةٍ تربط الطوابق الثلاث. (الصورة من "بوليبود")

4. لا تحتاج إلى شعار في فسحة عملك

"الفسحة هي عينها علامتك التجارية ويجب أن تعكس قيمتك ومزاياك وما أنت عليه؛ أنا شخصياً أعارض فكرة الشعارات."

ومن الأمثلة على هذا المفهوم، فسحة شركة "رودي تيونر" الخاصّة، التي قال عنها بسام جلغة، الشريك المؤسّس: "لدينا آلات موسيقية معلّقة على الجدران لانّها تمثّلنا. نحن لا نحتاج إلى شعار."

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.