English

هل يمكن لرواد الأعمال المساهمة في الدبلوماسية الاقتصادية بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

هل يمكن لرواد الأعمال المساهمة في الدبلوماسية الاقتصادية بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

تلعب الشركات الناشئة دور هام في تنمية الاقتصاديات الوطنية وتسريع نموها ولكن في ذات الوقت لا يجب أن يقتصر دورها على التنمية الداخلية فقط بل من الضروري أن يمتد تأثيرها لتلعب دور في بناء علاقات أوسع بين دول العالم وتكون بمثابة جسر يربط بين مختلف الدول بكافة أنحاء العالم، لتخلق شبكة مترابطة من المصالح والمنافع الاقتصادية تساهم في تدعيم العلاقات الإقليمية والدولية وايضاً السياسية، وهو ما ينعكس بدوره على توفير فرص العمل وزيادة الاستثمارات العابرة للحدود، فضلاً عن التخفيف من حدة الصراعات بشكل غير مباشر والمساهمة في بناء السلم طويل الأمد، وإذا نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنجد أنها تتمتع بمقومات اقتصادية عالية، بالإضافة لغناها بالموارد الطبيعية والنادرة، ويبلغ أكثر من ثلث سكانها من الشباب، أي إن رواد الأعمال يمكن أن يكون لهم دور فعال في تدعيم العلاقات الاقتصادية بين دولها، والمساهمة في إنعاش التبادل التجاري بها، وتحقيق حالة من السلم المستدام والترابط بين شعوبها.

دور أساسي

 يمكن ان تساهم الشركات الناشئة بشكل أكبر في القضاء على أزمة البطالة من خلال خلق وظائف جديدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما يمكنها أن تساعد في نقل التكنولوجيا بين دولها، فضلاً عن مساهمتها في حل العديد من الأزمات مثل ندرة المياه، تغير المناخ، والتضخم من خلال جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية لدول المنطقة بالتوازي مع نشر تقنيات متطورة ترفع من الكفاءة الإنتاجية والصناعية، ولا ننسى أزمة الفقر التي تؤثر بشدة في الحالة الاقتصادية والأمنية والسياسية بالمنطقة، فمن خلال تلك الاستثمارات سيُمكن التخفيف من حدة الفقر والبطالة وربما القضاء عليهما خلال المستقبل القريب، فضلاً عن تنمية روح الابتكار والإبداع لدى الشباب، وهو ما ينعكس بدوره على تطوير العلاقات بين دول المنطقة وشعوبها وفتح آفاق جديدة للتنمية والمنافع المشتركة التي تعود لتنعكس مرة أخرى على تلك الشركات الناشئة والاقتصادات الوطنية بالإيجاب.

تؤكد "ريم المحفوظ" مسؤول التواصل في مؤسسة Impact46، في المملكة العربية السعودية أنه بالنظر إلى قابلية الشركات الناشئة للتوسع وفرص النمو التي تواجهها بين مختلف الشركات الأخرى، فإنها تلعب بالتأكيد دورًا حيويًا في الجانب الاقتصادي للمنطقة، مع تزويد البلاد بالحلول والمواهب. وتوضح "ريم" انه قد استثمرت رؤية السعودية 2030 بشكل كبير في تسريع وجود الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتم تقديم العديد من المبادرات من القطاعين العام والخاص لزيادة دعمها، وهو ما أن يفتح الباب أمام الشركة الناشئة للتوسع إلى أسواق جديدة في المنطقة.

كما تشير "ريم" إلى أن السوق ورأس المال البشري هما على رأس القائمة التحديات التي قد تواجهها الشركات الناشئة والمؤسسين عند التوسع، حيث أنه لا يمكن لسلوك سوق معين أن يلبي توقعات الشركة الناشئة، والمواهب التي لديها معرفة كافية ويمكن ان تدفع للأمام محدودة.

 وما يؤكد الدور البناء لرواد الأعمال بالمنطقة وقدرتهم على تنمية اقتصاد المنطقة بشكل موسع ونقل التكنولوجيا المتقدمة إليها، فقد أكد تقرير ومضة عن "الاتجاهات المتوقعة للاستثمار بمنطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا في عام 2022"، أنه قد حصدت الشركات الناشئة بالمنطقة على تمويل يقارب 3 مليارات دولار في عام 2021، مع توقعات باستمرار الصعود خلال عام 2022 مع مزيد من الصفقات الاستثمارية،  وهو ما لعب دور هام في فتح باب المنافسة بين الشركات الناشئة العالمية والمحلية بالمنطقة، بدعم من مستثمرين دوليين ولاعبين كبار، وجعل الإمارات تطلق مبادرة "موطن ريادة الأعمال"، التي تهدف لإنشاء 20 شركة مليارية بحلول عام 2031، ودفع صندوق رأس المال الجريء التقني (STV) في المملكة العربية السعودية إلى جمع مليار دولار لتعزيز ودعم إنشاء مزيد من الشركات المليارية في المنطقة، وهو ما يؤكد ان الشركات الناشئة ستلعب دور محوري لاقتصاديات المنطقة والعلاقات بين دولها خلال الفترة المقبلة.

 دبلوماسية اقتصادية

 بلا شك لرواد الاعمال أثر كبير في تدعيم الدبلوماسية الاقتصادية التي لها مردود حيوي في تقوية العلاقات الخارجية للدول وتطوير أدوات السياسية الخارجية لها، وهو ما أوضحه التقرير الذي نشره مركز Atlantic Council، وحمل عنوان  "دور وادي السيليكون في السياسة الخارجية وما يمكن للآخرين تعلمه منه"، الذي أكد أنه يوفر النظام المحلي القوي للشركات الناشئة حلولاً للعديد من التحديات، ويرفع مستوى الوعي بالمشاكل المحلية مثل الرعاية الصحية والإسكان والوصول المالي إلى قيام رواد الأعمال المحليين بمحاولة حل هذه المشكلات، حيث تدرك معظم الدول أن القطاع العام وحده لا يستطيع حل المشكلات الكبيرة التي تواجهها الدولة، لذلك يمكن لقطاع الابتكار المزدهر أن يساعد الدولة على إحراز تقدم دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة من الحكومة والمزيد من الروتين، كما تساهم الشركات الناشئة بدور فعال في التنويع الاقتصادي للدول من خلال تحويل الاعتماد الكامل على قطاع واحد لعدد من البدائل الاقتصادية الأخرى، مثل السعودية التي تخطط لمستقبل به طلب أقل بكثير على النفط والغاز، وهو ما نجحت فيه الامارات بالفعل واستطاعت ان تنوع اقتصادها الوطني من خلال جذب العديد من الشركات الناشئة في مختلف المجالات، وتكون مركز رئيسي للتكنولوجيا المتطورة والحركة الاقتصادية العالمية خلال وقت قصير، وهو ما ساهم في تقوبة علاقاتها الخارجية وتنشيط حركة التبادل التجاري مع مختلف أنحاء العالم، وبالتالي لعب ذلك دور إيجابي حيوي في مختلف علاقاتها الخارجية والإقليمية، وهو ما جعل وزارة الخارجية الإماراتية تضع الدبلوماسية الاقتصادية على راس أولوياتها، التي تعمل على جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز التجارة وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية ومتعددة الأطراف، وظهر ذلك بوضوح في إطار "رؤية 2021" و"رؤية مئوية الإمارات لعام 2071".

ومن جهته يشير "يوسف حميد الدين"، الشريك الإداري في "فينتشر إكس" في الأردن، إلى أنه تخلق الشركات الناشئة ترابط بين الأسواق والمستهلكين، فضلاً عن الأنظمة واللوائح والضوابط، كما إنها تسهل العمل بحرية، لذلك يعتبر التحدي الأكبر هنا هو زيادة عدد تلك الشركات بكل دولة بالمنطقة، فمثلاً قامت أحدي المؤسسات الأردنية بعمل حصر لعدد الشركات الناشئة بالدولة ووجدتها 400 شركة فقط، لذلك يجب أن تتضافر الجهود بالمنطقة لتوسيع عمل تلك الشركات وزيادة عددها، وعندما يحدث ذلك سيؤدي بدوره لتلاقي و تعاون مهني وثقافي، وتأسيس شركات عابرة للحدود تنطلق من المنطقة للعالم أجمع، و سيلمس ذلك الأثر الموظفين والعاملين وايضا الباحثين عن عمل.

أضاف:"يجب أن ننوه على نقطة هامة، حيث أن هناك عدد من الشركات الناشئة التي تعمل من الناحية العملية ومستمرة في السوق، ولكنها من الجانب الاقتصادي لا تحقق إيرادات وأرباح كافية أو جدوى عالية لتتمكن من التوسع والنمو، لذلك فأن عدد الشركات الناشئة لا تتفق مع التوقعات الاقتصادية التي نريدها في المنطقة.

يشار إلى أنه قد دعا المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخرا الحكومات لدعم رواد الأعمال وتنشيط دور الشركات الناشئة من خلال سياسات رسمية تقوم على دعمهم و توفير احتياجاتهم الاستثمارية، وهو ما سينعكس بالضرورة على الاقتصاد القومي ورفع مستوى التبادل التجاري مع الدول الأخرى وهو ما يساهم في توفير بيئة خصبة للعلاقات التجارية القائمة على المنفعة المشتركة بين مختلف الدول، ليسد كل طرف النقص الاقتصادي لدى الطرف الآخر ويشاركه فائضه التجاري في ذات الوقت، في شبكة متكاملة للتعاون الاقتصادي المثمر. أوصى المنتدى الحكومات بمنح الشركات الناشئة المنح المباشرة و القروض بدون فوائد  وتقديم أدوات تمويل مختلفة تعمل على تعزيز الاستثمارات، بالتوازي مع ضخ مزيد من رأس المال الاستثماري، فضلاً عن المساعدة في مخططات دعم العمالة من خلال برامج متنوعة تناسب كافة الفئات الوظيفية، مع تشجيع تعامل الجهات الرسمية مع الشركات الناشئة وهو ما يوفر فرصة لرواد الأعمال لاختبار نماذج أعمالهم الأولية على أرض الواقع.

"أحمد شعبان"، الرئيس التنفيذي لشركة «سيمبلكس للحلول الصناعية والبرمجيات» بمصر، يوضح أن الشركات الناشئة لها دور في تدعيم العلاقات الاقتصادية والروابط التجارية، خاصة الشركات التي تعمل بأسس ودراسات منضبطة وتقوم بتطوير أدواتها التسويقية وأساليب عملها، لذلك يجب أن يكون هناك استشاريين بكل دولة لتقديم النصح والمشورة لرواد الأعمال لتسويق منتجاتهم وتدعيم نشاطهم بالمنطقة، خاصة أن هناك فرص عديدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحجم استهلاك وطلبات كبير للغاية يحتاج للنظر إليه بصورة أكثر اهتماماً. أضاف: "أكبر التحديات التي من الممكن ان نواجهها هي فهم الأجواء الاقتصادية لكل دولة، وما يحتاجه كل طرف من الآخر ليحققوا منافع مشتركة وتبادل اقتصادي فعال، فمثلا هناك صعوبة في بعض الأحيان خلال التواصل مع الثقافات المختلفة واختلاف اللغة وهو ما يصعب من وصول أفكار عملنا، لذلك يجب أن تلعب السفارات دور أكبر في تدعيم العلاقات التجارية وزيادة مؤتمرات رواد الأعمال ومعارضهم التجارية لتوصيل صوتهم بشكل أسرع." – بحسب قوله -

 يمكن أن تتحول الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مجرد وسيلة اقتصادية لتنشيط الدور التجاري للشباب إلى أداة هامة لتعزيز التعاون بين دول المنطقة وتحقيق اكتفاء ذاتي في مختلف المجالات وجذب استثمارات عالمية وتكنولوجيا متطورة، وهو ما يساهم بدوره في حل العديد من الأزمات التي تعاني منها بالفعل بعض من دول المنطقة وتؤثر بشكل غير مباشر على أدائها الاقتصادي ومستوى معيشة مواطنيها.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.