English

هل تكون المنطقة مهداً لثورة الرعاية الصحّية الرقمية؟

English

هل تكون المنطقة مهداً لثورة الرعاية الصحّية الرقمية؟

اجتمع خبراء الرعاية الصحّية في دبي خلال فعالية الرعاية الصحّية الرقمية التفاعليّة "ديجيتال هيلث لايف". وفي الصورة لجنة تناقش النماذج الأمثل للرعاية الصحّية باستخدام الصحّة الرقمية، متّخذةً من دول مجلس التعاون الخليجي كأرضيةٍ للاختبار. 

تصوّر أنّك تستيقظ في الصباح فتبادر إلى ساعتك كي ترى عدد الساعات التي قضيتها في نومٍ مريحٍ وعميق، وترى كمّية السعرات الحرارية التي حرقتها في اليوم السابق، ومن ثمّ تتحقّق من درجة حرارة جسدك.

وبعدما تتوجّه إلى البرّاد لكي تأتي ببعض الطعام تقيّم الساعة لك مكوّناته وتوصيك بوصفاتٍ تناسب حاجتك الغذائية متبوعةً بكامل السعرات الحرارية والمعلومات الغذائية، كما يمكنها أن تنبّهك إلى نفاذ الحليب والفاكهة لديك. وبعدما تصبح على وشك الخروج من المنزل، تٌطلق ساعتك صوتاً منبّهاً لتذكيرك بموعد تناول الفيتامين الخاصّ بك، ولتعرض أمامك مؤشر كتلة الجسم BMI وضغط الدم.

لم تعد الصحّة والعافية بمنأى عن العصر الرقمي، خصوصاً ضمن اختصاصات الأطبّاء. ولكن مع جهازٍ أصبح ملحقاً لا غنىً عنه مثل "فِت بِت" FitBit، أكّد الخبراء في الفعالية الأولى من نوعها عالمياً عن الرعاية الصحّية الرقمية التفاعلية، "ديجيتال هيلث لايڤ"Digital Health Live ، أنّه لن يمرّ وقتٌ طويلٌ قبل أن تتغلغل مجموعة من التقنيات الحديثة المشابهة في حياتنا لتغيّر جذرياً الطريقة التي نراقب فيها صحّتنا ونفهمها.

قوّة التكنولوجيا والصحة

تمتدّ الرعاية صحّة الرقمية لتشمل الأجهزة القابلة للارتداء (كسترات المراقبة)، وتطبيقات الهواتف الذكية الخاصّة بالصحّة، والسجلّات الطبّية الإلكترونية المحمولة وتلك الخاصّة بتسلسل الحمض النووي.

 ولكن "يوجد فرقٌ هامٌّ بين الرعاية الصحّية الرقمية digital health وتكنولوجيا المعلومات الصحّية health IT،" بحسب جاك يونج، المدير في "كوالكوم ڤينتشرز" Qualcomm Ventures التي تشرف على صندوق تمويلٍ للرعاية الصحّية الرقمية بقيمة 100 مليون دولارٍ أميركيّ (أفضل استثماراتهم المعروفة هو "فِت بِت"). "فالرعاية الصحّية الرقمية لا تستخدم التكنولوجيا لتسيير العمليات بشكلٍ أوتوماتيكيٍّ وحسب، بل لتحسين النتائج على صعيد الصحّة والعافية. وهي تشجّع على الربط السلس بين التقنيات المختلفة، وتحثّ على استمرارية الرعاية، وتقلّل الفجوات فيها، وتضمن البدء بالرعاية الوقائية باكراً."

حضر في الفعالية أيضاً جون سكالي، المخضرم في تنفيذ الأعمال والمدير التنفيذيّ السابق في "آبل" Apple و"بيبسي" Pepsi وأحد رؤساء أسطورة التكنولوجيا ستيف جوبز، الذي كان يعمل معه على "قضيةٍ نبيلةٍ" لتغيير حياة المستهلِكين. أمّا شعاره الجديد حالياً فيتمحور حول التركيز على الابتكار في مجال الرعاية الصحّية وتوجيه الاستثمارات إليها، أو كما قال بوجوب "جعل الرعاية الصحّية مثل ‘أوبر‘Uber-ization of healthcare."

من جهتهم، يتوقّع المبتكرون في القطاع الصحّي التحوّل نحو الأدوات الافتراضية، التي تتضمّن المجسّات والمؤشّرات الحيوية التي تنبّه تلقائياً مَن يرتديها والطبيب الذي يعتني به وشركة التأمين التي يتعامل معها، في حال تدهور المؤشّرات الصحّية الرئيسية والحاجة إلى عناية.


تمتلك التكنولوجيا إمكاناتٍ هائلةً لتغيير الرعاية الصحّية.

إمكانات المنطقة لقيادة قطاع الرعاية الصحّية الرقمية

أثبت قطاع الرعاية الصحّية أنّه قطاعٌ هامٌّ وسريع النموّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نظراً لتفوّق الطلب على العرض بفارقٍ شاسعٍ بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكّان والتحوّل المرَضي ضمن التركيبة السكّانية، بحيث أنّ هذه الأخيرة باتت تقتصر على نمطٍ حياةٍ كثير الجلوس ما يسبّب ارتفاع معدّل انتشار السُمنة والسكّري وأمراض القلب والأوعية الدموية. ففي عام 2011، تبيّن أنّ نحو 27 مليون نسمةٍ في المنطقة يعانون من مرض السكّري، بحسب "الاتّحاد الدوليّ للسكّريّ" International Diabetes Federation، وبعد مرور أربع سنواتٍ ارتفع العدد مرّةً أخرى ليصل إلى 37 مليون مصاباً ويُتوقَّع أن يصل عام 2035 إلى 60 مليون مصاباً بالسكّري.

وفيما يواجه القطاعان العامّ والخاصّ هذا التحدّي عبر زيادة الإنفاق على الرعاية الصحّية، بحيث يتوقّع أن يصل نسبة ما ستنفقه المنطقة على الرعاية الصحّية وحدها هذا العام إلى 125 مليار دولار، تداول الخبراء في المؤتمر أنّه ينبغي الاستفادة من الرعاية الصحية الرقمية على مستوى الرعاية الصحية الأولية.

وكان هناك إجماع على إعادة التفكير في الرعاية الصحية خارج "نموذج الطبيب والمستشفى،" إذ يرى مدير الابتكار في "كليفلاند كلينيك" Cleveland Clinic [عيادة كليفلاند]، جاري فينجرهَت، أنّه بات "قديماً وغير فعّال." كما أضاف أنّه "لا يزال جوهر توفير الرعاية الصحّية يدور حالياً حول الطبيب في المستشفى، والحقيقة أنّ المستشفيات تمثّل اليوم للرعاية الصحّية ما يمثّله ‘بلوكباستر‘ Blockbuster [شركة لتأجير الأفلام وبيعها عبر شرائط الفيديو والأقراص الصلبة] بالنسبة للأفلام... لا صلة بينهما."

من جهته، رأى مؤسِّس ومدير "ڤيرتو ديجيتال ميدسين" Ver2 Digital Medicine التي تتّخذ من دبي مقرّاً لها، براين دي فرنسيسكا، أنّ الإنفاق الهائل في المنطقة على المستشفيات ومشاريع الرعاية الصحّية، التي عادةً ما تعمل بالشراكة مع مؤسّساتٍ طبّيةٍ غربيةٍ رائدة، لا يؤدّي بالضرورة إلى تحسين النتائج على صعيد الصحّة. ويقول إنّ "الرعاية الصحّية تحتاج إلى الابتكار وليس إلى منشآتٍ معمارية، فالرقمنة أهمّ بكثيرٍ من بناء مستشفياتٍ ضخمة." ويتابع مضيفاً، "تخيّلوا لو امتلك كلّ واحدٍ منّا ميزاناً آليّاً ذكيّاً في منزله يرصد مؤشّر كتلة الجسم BMI وضغط الدمّ ويقدّم اقتراحاتٍ في وقتٍ مبكرٍ جدّاً، قبل أن يصبح الفرد بديناً ويعاني من أمراضٍ معقّدةٍ ومزمنة."

ضمّت الفعالية أحدث التقنيات والابتكارات في مجال الرعاية الصحّية

لاحظ بعض المتحدّثين أنّ "الأرض الخصبة" في المنطقة توفّر فرصةٍ كافيةً لبناء نموذج الرعاية الصحّية المستقبليّ. "يمكن لدبي أن تصبح المركز الدولي الأكثر تميّزاً في الطب الرقميّ،" وفقاً لفينجرهَت الذي يضيف أنّ "نموذج الرعاية الصحّية التقليديّ يحتاج إلى إصلاحٍ شاملٍ في الواقع، والشرق الأوسط قد يكون المنطقة التي سوف تبيّن لنا ذلك."

بدوره، أضاف دي فرنسيسكا أنّ تعطش المنطقة للتقدّم يجب يترافق مع الفطنة والبصيرة، حتّى لا يكرّر نسخ النماذج الغربية من الرعاية الصحية التي مزّقتها الأطر التنظيمية الشديدة وسياسات أصحاب المصلحة.

من جهته، عززّ هذا الموقف الأستاذ المساعد في قسم الابتكار الطبّي وريادة الأعمال في جامعة جون هوبكنز، الدكتور جوتام جولاتي، إذ قال: "إنّ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كـ‘أرضٍ خصبة‘، توفّر فرصةً لإقامة نظامٍ متطوّرٍ وسلس للرعاية الصحّية من الألف إلى الياء، بدلاً من تكرار النماذج الغربية." وأضاف أنّه ينبغي التفكير انطلاقاً من القرن الواحد والعشرين، "حيث تمّ تصميم تجارب شاملة للناس آخذةً بعين الاعتبار تصوّراتهم وعواطفهم؛ أنظروا إلى ما فعلته ‘ديمانشا فيل‘ Demantiaville لمَن يعانون من الخرَف."

لا تزال الرعاية الصحّية في سُباتٍ تقنيّ

من الواضح أنّ تعامل المستهلِكين مع تكنولوجيا الهاتف الذكيّ كلّ يوم يمثّل أنجع وسيلة لضبط السلوكيات الصحّية، ولكن لماذا كان قبول المؤسَّسة الطبّية للتغيير التكنولوجيّ بهذا البطء؟ يمكن أن نجد الإجابة في حديث رئيس قسم علم الأمراض في المستشفى الأميركية في دبي، الدكتور آرون هان، الذي يقول: لا أريد أن أتحدّى مشاعر زملائي، ولكن دعونا نواجه الأمر؛ فنحن معشر الأطبّاء نخاف من أن تجعلنا تقنيات الرعاية الصحّية الرقمية زائدين عن الحاجة. كما تخضع الكثير من سياسات البنية التحتية للرعاية الصحّية ومؤسَّساتها إلى سلطة أطبّاء أو أطبّاء سابقين يريدون الإبقاء على هذه العلاقة. ولعلّ هذا أحد الأسباب الرئيسية التي أخّرَت استخدام التكنولوجيا على صعيدٍ واسع."

هذا الجمود في التنظيمات تجاه الرعاية الصحّية الرقمية أيضاً، يعوق بشكلٍ واضح تقدّم الرعاية الصحّية في عددٍ من الجبهات بما فيها تطوير الأدوية. "50% من الأدوية التي يتمّ وصفها للمرضى في الولايات المتّحدة لا تعمل. فالدواء الذي يعمل على مستوياتٍ منفصلةٍ من العمليات الجُزيئية، ليس فعّالاً إلّا على جزءٍ صغيرٍ جدّاً من السكّان،" وفقاً لرئيس كلّية الطبّ في جامعة "سينجلاريتي" Singularity University، دانيال كرافت، الذي يشير إلى أنّ "هذا هو المكان الذي يلعب فيه دوراً علم الجينات genomics وعلم الجينات الدوائيّ pharmacogenetics . ويدرك قطاع الأدوية الآن الأثر العياديّ الإيجابيّ للسنوات المقبلة، وبما في ذلك علم الجينات كجزءٍ من تجربة عياديةٍ لم تتحقّق على أرض الواقع بعد."

دانيال كرافت، رئيس كلّية الطبّ في جامعة "سينجلاريتي"، يتحدّث خلال الفعالية.

ومن العوائق أمام الاعتماد على الرعاية الصحّية الرقمية، غياب المعايير التنظيمية وغياب معايير موحّدة للجودة بالنسبة للتكنولوجيا الصحّية في جميع أنحاء المنطقة، ما يجعل هذه التقنيات "منتجات استهلاكية" بدلاً من كونها "منتجات طبية". فمن أجل إثبات فعالية المنتَج أو الجهاز الطبّي في علاج حالةٍ صحّيةٍ ما أو تخفيفها، يريد الطبّ أدلّةً دامغةً بهذا الشأن. وينما ينطبق المشهد التنظيميّ الحاليّ بشكلٍ كبير على المستحضرات الصيدلانية وبعض الأجهزة الطبية/الأكسسوارات فقط، فإنّ إنشاء مجالس تنظيمية خاصّة بتكنولوجيا الرعاية الصحّية الرقمية من شأنه أن يحسّن قبولها من قبل المؤسّسة الطبية وبالتالي قبولها من قبل المرضى.

التشخيص لروّاد الرعاية الصحّية الرقمية

يعتبر المشهد العام لروّاد أعمال الرعاية الصحّية الرقمية في المنطقة واعداً. ومؤخّراً، سيتمّ إطلاق تطبيقَين اثنَين للهواتف الذكية في دبي هذا الشهر؛ الأوّل من تصميم عبي عباسي ويحمل اسم "سمعي" Same’e، وهو تطبيق بصريّ يقوم بتحميل معلومات المريض من خلال مكالمة فيديو وبلغة الإشارة، بحيث يمكن الاستجابة للطوارئ التي يُصاب بها الصُمّ؛ والثاني هو "عُلِم" Olem، الذي تمّ تصميمه للأشخاص الذين لا يبصرون، بحيث يمكن تفعليه عبر الصوت من خلال الهاتف الذكيّ.

في هذا السياق، يقول يونج "إنّنا في حاجةٍ إلى أن يعمل التقنيون والعاملون في مجال الطبّ سوياً. فإذا بُدئ العمل ضمن منطقةٍ علاجيةٍ جديدةٍ لم يتمّ إجراء دراساتٍ سريريةً ولا أبحاث طبّية جوهرية عليها، يقع العبء عليك في إثبات الفعالية والنتائج." كما أشار إلى أنّ العديد من الطامحين في مجال الرعاية الصحّية الرقمية يطوّرون التقنيات على نتائج دراساتٍ محترمة، وهذا بالتالي ينفي الحاجة لأدلّة الإثبات الواسعة.

"لا يمتلك المستثمرون عادةً الصبر أو البصيرة لإدراك اختلاف ديناميات الرعاية الصحّية الرقمية،" حسبما يقول ساخراً مؤسِّس "عالم هيلث" AlemHealth ومديرها التنفيذيّ، أشخان عبدالملك، الذي يضيف أنّ "قطاع الرعاية الصحّية الرقمية لديه وتيرة مختلفة عندما يتعلّق الأمر بتغيير محور فكرة عملك، إذ أنّ هذا التغيير يتمّ بشكلٍ أبطأ في غيره من القطاعات، ويمكن أن يستغرق فترةً قد تصل إلى عشر سنواتٍ قبل أن تتمكّن من الذهاب إلى السوق، خصوصاً في ظلّ العبء الكبير الملقى على عاتقك لإثبات صحّة التكنولوجيا الصحية."

يتحوّل مستقبل الرعاية الصحّية من رعايةٍ لاحقة إلى رعايةٍ سابقة، لا تركّز على علاج الناس عندما يكونون مرضى وحسب بل تلهمهم كي يعيشوا حياةً صحّيةً منذ البداية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أساليب الرعاية الصحّية الرقمية وتطبيقاتها تقف في طليعة المتصديين للتحدّيات الصحيّة الحالية التي لا تُحصى في الكثير من البلدان، كالأمراض المزمنة وأمراض الضغط، للحدّ من الإنفاق على الرعاية الصحّية. "إنّ وضع الرعاية الصحّية في متناول المستهلِك سيكون أكبر من ثورة الحواسيب... تذكّروا كلماتي جيّداً،" وفقاً لما قاله سكالي.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.