English

الطب الذي يعتمد على البيانات: طال انتظاره في المنطقة ولكنّه قادم

English

الطب الذي يعتمد على البيانات: طال انتظاره في المنطقة ولكنّه قادم

بدأ أربعة رجالٍ عام 2010 بالإعداد لما اعتقدوا أنّه سيكون مثيراً ووشيكاً وسيشكّل مستقبل التحليل الجينيّ في الشرق الأوسط. وبعد خمس سنوات، ما زالوا ينتظرون أن تلحق المنطقة بركب قطاع الجينوم (المحتوى الوراثي) العالمي، الذي يتوقّع أن تصل قيمته إلى 22.1 مليار دولار أميركي بعدما كانت 2.5 مليار دولار عام 2014.

شركة "إي جي بايوإنفورماتكس"  EG-Bioinformaticsالتي أسّسها الشباب المصريون محمد أبو الهدى ومصطفى غانم ومحمد القليوبي وسامح الأنصاري، كانت شركةً تهدف إلى تزويد قوّة التحليل بكميات ضخمة من المعلومات الناتجة عن تحديد تسلسل الحمض النووي  Next Generation Sequencing: وهي التقنية التي تحدّد وتسجّل بانتظام المكوّنات التي تشكّل الحمض النووي.

أعلنَت "إلومينا" عن آلة خاصّة بتحديد تسلسل الحمض النووي بتكلفة ألف دولار لكلّ جينوم.

بالرغم من ملاءمة هذه الشركة للأسواق سريعة النموّ في الولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا، وخصوصاً بعد استعمال أنجلينا جولي لهذه التقنية كي تكتشف عام 2013 ‘جين سرطان الثدي‘ الموروث، لم يتكن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستعدّةً بعد لهذا النوع من الطب المبني على البيانات.

ولكن عندما انطلقَت "إي جي بايوإنفورماتكس" عام 2011، فعلَت ذلك في سوقٍ غير واضحة المعالم ولا تحوي زبائن أو حاجةً لتحليلات لمعلوماتية الحيوية، فكان أن تمّ وضعها قيد الانتظار عام 2013. ولكنّ المدير التنفيذيّ أبو الهدى، عالِم الكمبيوتر والمهندس في الطبّ الحيوي، قال إنّهم يريدون التجمّع من جديد تحسّباً للطفرة المأمولة من سنةٍ إلى ثلاث سنوات.

والمؤسِّسون الذين باتوا ثلاثةً فقط بعد موت غانم، يعملون في الوقت الحاليّ على نموذج العمل. والأهمّ أنّهم يراقبون عن كثب التطوّر الذي يلحق بآلات تحديد تسلسل الحمض النووي والتحدّيات التحليلية التي تشكّلها الأجهزة التي بات يمكنها الآن إنتاج ما يقارب من 30 إلى 50 تيرابايت من البيانات كلّ أسبوع.

لمعرفة ما حدث من خطأ، ولمعرفة ما الذي تغيّر وسيسير على ما يرام في المرّة القادمة، أجرَت "ومضة" هذا الحديث مع أبو الهدى لمعرفة كيف سيقومون بتحسين البرمجية للتعامل مع الحجم المتزايد للبيانات التي تنتجها تكنولوجيا تحديد تسلسل الحمض النووي.

"ومضة": ما الذي كان يفترض بـ‘إي جي بايوإنفورماتكس‘ أن تفعله في البداية؟

محمد أبو الهدى: كانَت ‘إي جي بايوإنفورماتكس‘ لتوفير خدمات التحليل الحيوي لقطاع علوم الحياة، مثل مهنة الطب أو علماء الأحياء الذين يبحثون في النباتات للعثور على أنواع جديدة يمكن أن تكون أكثر مقاوَمةً للجفاف.

كنّا نعتقد أنّه يمكننا تقديم تحليل البيانات الجيني لهذا المجتمع في الشرق الأوسط.

"ومضة": لماذا لم ينجح هذا الأمر؟

أبو الهدى: كانت المشكلة في التوقيت؛ فشركة ‘إي جي بايوإنفورماتكس‘ بدأت عام 2010 وبدأنا بالتشغيل عام 2011، لأنّنا أردنا أن نكون في الطليعة عندما تأتي تقنية تحديد تسلسل الحمض النووي.

ولكنّ سوق الشرق الأوسط لم تكن مستعدّةً بعد، لأنّ النسخة الجديدة من تكنولوجيا تحديد تسلسل الجينوم لم تصل على نطاقٍ واسعٍ في ذاك الوقت. وهذا يعني أنهّ لم يتمّ إنتاج أيّ بيانات هامّة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي لا حاجة لخدمات تحليل البيانات. كنّا متفائلين جدّاً بأنّ الشرق الأوسط سوف تعتمد هذه التقنية في وقت أبكر.

"ومضة": لمَ تأخّرَت هذه التكنولوجيا؟

أبو الهدى: كان يوجد عاملَان في ذلك الوقت؛ الأوّل يتعلّق بالوعي حيال هذه التقنية الذي يحتاج إلى وقت، والثاني بالكلفة العالية.

ولكنّ هذه التقنية تستمرّ بالتحسّن، فما تحصل عليه اليوم في 2015 يمكن أن يكون أفضل ممّا أُنتِج في 2012 بعشر مرّات، وبكلفةٍ أقلّ. وعلى سبيل المثال، كان يُنتظَر عام 2010 أن يتمّ تخفيض كلفة تحديد تسلسل الحمض النووي من ألف دولار أميركي للجينوم البشريّ الواحد، وهذا لم يحدث إلّا مؤخّراً هذا العام.

أمّا الخبر السارّ فهو امتلاك (المؤسَّسات في مصر والسعودية والإمارات وقطر) للآلات الخاصّة بتحديد تسلسل الجينوم. وهذه الآلات حتّى الآن تُستعمَل للأبحاث وليس من أجل الخدمات (التجارية)، لكنّني أتوقّع أن يتّجهوا إلى سوق الخدمات.

برأيي، الوقت الأمثل للبدء بهذا العمل مرّةً أخرى هو الآن.

"ومضة": كيف ستغيّر نموذج العمل لكي يواكب احتياجات السوق؟

أبو الهدى: الفكرة الآن لم تعد تقتصر على تأمين خدمات التحليل الكبيرة، بل على التشارك مع علماء الحياة من البداية إلى النهاية، خصوصاً في مجال الرعاية الصحّية والتشخيص. كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث توفر الكثير من الشركات بالفعل حلول متكاملةً ويوفر العملاء بدورهم العيّنات، وفي النهاية يتمّ توصيل المنتَج مع التقرير للزبون.

وفي الوقت الحاليّ، لا توجد شركات تقدّم مثل هذه الخدمات (في الشرق الاوسط)، وسنكون الرائدين في ذلك.

"ومضة": الدوات التي عرضَتها ‘إي جي بايوإنفورماتكس‘ في البداية كانت ترتكز إلى بحثكم في احتياجات السوق عام 2010. ولكن ماذا الذي تحتاجه السوق الآن من حيث تحليل البرمجيات الجيني؟

أبو الهدى: المطلَب الحالي يكمن في قدرة البرمجية على التعامل مع مجموعاتٍ أكبر من البيانات.

في نهاية العام الماضي، أعلنَت ‘إلومينا‘ Illumina (شركة لبيع أجهزة تحديد تسلسل الحمض النووي) عن آلةٍ جديدةٍ يمكنها تحديد تسلسل 18 ألف جينوم في السنة، وهذا يتطلّب استعمال خوارزميةٍ دقيقةٍ تعمل وفق بنيةٍ حاسوبيةٍ عالية الأداء. وعلى الصعيد العالمي، لم يتمّ اختبار البرنامج الحالي بعد في هذا النطاق من حيث الدقّة والسرعة، ما يفتح كوّةً جديدةً في السوق لمن يريد النجاح في توفير أفضل الحلول.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن ينصبّ التركيز بشكلٍ كبير على إدارة البيانات لتكون قادرة على تنظيم مجموعاتٍ كبيرةٍ من البيانات وأرشفتها واسترجاعها بكفاءة.

"ومضة": استخدام ‘البيانات الكبيرة‘ يشكّل العنصر الأساسي لنموذج عمل ‘إي جي بايوإنفورماتكس‘. ما هي الأنظمة التي تستخدمونها لإدارة ذلك؟

أبو الهدى: في ذلك الوقت كنّا من روّاد استخدام موارد الحوسبة السحابية. أمّا الآن، فإنّ بحثنا الآن لا يقتصر على استخدام الحوسبة السحابية، بل يشمل كيفية الاستخدام الأمثل من حيث التكلفة.

إنّ تقنية تحديد تسلسل الحمض النووي ينتج عنها ملفّات كبيرة من البيانات التي تمثّل الجينوم (المحتوى الوراثي) لشخصٍ ما. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتراوح حجم ملف الجينوم البشري، بحسب الميّزات التي نبحث عنها، بين 50 جيجابايت و150 جيجابايت. وركّزَت أبحاثنا في جامعة النيل على خفض كلفة التحليل، بحيث حدّدنا تكلفة العيّنة بـ50 دولاراً، وذلك بعدما خفّضنا الكلفة بين 50 و100 دولار بسبب استخدام الحوسبة السحابية.

ونتعامل مع موارد الحوسبة السحابية لأنّها لا تحتاج إلى موارد لتكنولوجيا المعلومات في الشركة، ولأنّ استخدامها يحلّ مشكلة التوسّع بحيث يمكن تخصيص عدد الحواسيب وفقاً لما هو مطلوب.

من اليسار إلى اليمين: سامح الأنصاري، محمد القليوبي، مصطفى غانم، ومحمد أبو الهدى. (الصورة من أبو الهدى).

"ومضة": هل يمكن ان تشرح العملية المستخدَمة في تحليل البيانات من عينة حمض نووي؟

أبو الهدى: إنّها مزيجٌ من معالجة البيانات، وتحليلها، ومن ثمّ مقارنة ذلك بعددٍ كبيرٍ من قواعد البيانات. أمّا قواعد البيانات التي نحتاجها من أجل البحث فيبلغ عددها حوالي 100.

بالنسبة لتحليل المعلومات، فإنّ مفهوم ‘مقاس واحد يناسب الجميع‘ لا يعمل هنا، والضبط الدقيق مطلوبٌ لكلّ مهمّة تحليل. وللتغلّب على هذا، وفّرنا في ذلك الوقت نظاماً لإدارة سير العمل لدعم الباحثين في تأليف مهام التحليل من دون أي برمجة، بحيث يمكن لعلماء الحياة الذي لا خلفية لديهم عن الحاسوب أن يفعلوا هذا الأمر أيضاً.

والتحدي الآن يكمن في كيفية إنشاء مجرى مفيدٍ للمحتوى الذي لن يستغرق الكثير من موارد الحوسبة.

"ومضة": ما هي التحدّيات التي ترتبط بالتعامل مع كمّياتٍ كبيرةٍ من البيانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

أبو الهدى: لا تزال الصعوبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تكمن في إنتاج البيانات: كيف ينمكن للناس الحصول على بياناتٍ عالية الجودة من هذه التقنية. وعندما يُحلّ هذا الأمر، سوف يتبعه مسائل مثل الخصوصية والأمن، ولكنّها مسائل مستقبلية. أمّا الخطوة الأولى فتكمن في قدرة الآلات والموارد البشرية على توليد بياناتٍ ذات جودةٍ عالية.

وبالنسبة إلى البيانات الجينية منخفضة الجودة، فهي تأتي عندما يحصل شيءٌ خاطئ في المختبر عند إعداد العيّنة والمكتبات ذات الصلة لحديد تسلسل الجينوم. ويمكن الكشف عن هذا من خلال مقارنة النتائج المعروفة للبيانات عالية الجودة.

من التحدّيات الأخرى، تقف أمامنا كيفية نقل البيانات إلى سحابة حاسوبية. فهذا الأمر يشكّل تحدّياً خطيراً للشرق الأوسط، بسبب البنية التحتية المتخلّفة للشبكات مقارنةً مع ما هو موجودٌ في الولايات المتحدة وأوروبا.

"ومضة": هل وصلت المختبرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مرحلةٍ حيث يمكن أن تولّد فيها كمّياتٍ كبيرةً من البيانات عالية الجودة؟

أبو الهدى: نعم. يحدث هذا لأنّ التكنولوجيا الجديدة أصبحَت أسهل من ناحية الاستخدام، ما يشكّل أيضاً سبباً إضافياً في جذب للناس، بالإضافة إلى أنّ الآلات صالحة للاستعمال وتكلفتها أقلّ بكثير (ممّا كانت عليه).

من وجهة نظري، سيستغرق الأمر من سنةٍ إلى 3 سنوات قبل أن تصبح السوق على استعدادٍ للتعامل مع مثل هذه المسائل.

"ومضة": ما هو المطلوب لإنشاء سوقٍ للاختبار الوراثي في المنطقة؟

أبو الهدى: يجب أن يهتمّ بها المستثمرون.

الطريقة الأفضل هي زيادة الوعي أوّلاً حيال التشخيص الذي يستند إلى الجينوم [المحتوى الوراثي]؛ الولايات المتّحدة متقدّمةٌ جدّاً في هذا النوع من الأعمال، والأفكار المماثلة يمكن أن تتحقّق هنا أيضاً. والشراكة المثالية يمكن أن تكون بين شركاء من مجالَي علوم الحياة وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب المستثمِرين الذين يرون الإمكانات.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.