English

عن المقاربة المحلّية للشارقة التي ستجعلها مركزاً للريادة‎

English

عن المقاربة المحلّية للشارقة التي ستجعلها مركزاً للريادة‎

ترزح الشارقة تحت الدين لذلك من حسن حظها أنها أصبحت على طريق تنويع الاقتصاد بعيداً عن الشركات الكبرى. ولكن خفض تصنيفها الائتماني جاء في لحظة غير مناسبة.

في غضون ذلك، أعلن حاكم الإمارة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عن ميزانية بقيمة 22 مليار درهم إماراتي، كما شهدت الشارقة افتتاحاً أوّلياً لـ"مدينة الشارقة للإعلام" Sharjah Media City و"مدينة الشارقة للنشر" Sharjah Publishing City، ومبادرة "استثمر في الشارقة" Invest In Sharjah من "شروق" Shurooq ("هيئة الشارقة للتطوير والاستثمار") لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الإمارة.

سياسات مفتوحة أمام الجميع

على الرغم من كل هذا، يتحرك مجال ريادة الأعمال والابتكار في الشارقة بوتيرة ملحوظة. كما أنّ هناك مبادرات تركز على الشركات الناشئة تعكس تركيز الجهود في هذه الإمارة على جذب رواد الأعمال الشباب والشركات واستبقائهم، مثل مبادرة "شراع" Sheraa المدعومة من الحكومة، و"الشارقة س" Shjseen من "غرفة الشارقة للتجارة" Sharjah Chamber of Commerce، و"المنطقة الحرة للبحوث والتقنية والابتكار" من "الجامعة الأميركية في الشارقة" AUS RTI.

تقول سارة المدني، عضو مجلس إدارة "غرفة الشارقة للتجارة"، و"مجلس المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في الإمارات" UAE SME Council، و"الشارقة س"، إنّ الناتج المحلي الإجمالي في الشارقة شهد نموّاً من رقمين منذ إطلاق مبادرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الإمارة. وتضيف أنّه "في غضون سنتين أو ثلاث، يمكن للشارقة أن تكون فعلاً مركزاً للشركات الناشئة في الشرق الأوسط".

ترى المدني في حديثها لـ"ومضة" أنّهم تعلّموا الكثير من الصين، شارحةً أنّ اقتصاد الأخيرة الذي يضم قاعدة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة وليس قاعدة صغيرة من الشركات الكبيرة ساعدها على تخطي الأزمة المالية العام 2008.

من جهتها، ترى المديرة العامة لـ"شراع"، نجلاء المدفع، أنّ الجامعات في الشارقة قد خرّجت عدة قصص نجاح لم تستفد منها البيئة الحاضنة. ومن الأمثلة على ذلك، إيبا مسعود من "تارا" Tara.ai، والتي أصبحت رائدة أعمال ناجحة تحظى بدعم "واي كومبينايتور" Y Combinator في وادي السيلكون. لذلك، تضع "شراع" من بين أولوياتها جمع خريجي "الجامعة الأميركية في الشارقة" الذين أطلقوا مشاريعهم الخاصة ـ بغض النظر عمّا إذا نجحوا أم لا.

منصة الأغذية والمشروبات "كذا" Keza، خلال يوم العروض في "شراع". (الصورة عبر "شراع")

خرّجت مسرعة الأعمال لدى "شراع" الدفعة الأولى من الشركات الناشئة هذا الشهر، حيث تراوحت المشاريع بين نسخة عربية من "جرامارلي" Grammarly، وأخرى لكفاءة الطاقة. ولكنّ "التحدي الذي نواجهه حالياً يكمن في إيجاد طلاب إماراتيين للمشاركة في هذا المجال"، بحسب المدفع.

وهذا الأمر، نظراً إلى التوزيع السكاني المحلي، يشكل الشغل الشاغل لأي مبادرة ريادية في الشارقة.

أسّست المدني "الشارقة س" بالشراكة مع "غرفة الشارقة للتجارة"، كونها رائدة أعمال إماراتية وتفهم العقلية السائدة المحلية التي تكبح الروح الريادية، للقيام بمهمة من شقّين: تنشيط الفعاليات التي تروّج للشارقة، واحتضان رواد الأعمال الذين لديهم أفكار أصغر من أن تُعرض. سينطلق برنامج "الشارقة س" لاحتضان الأعمال على دورة تستمرّ لسنتين، في شهر آذار/مارس المقبل. ووفقاً للمدني، "ستستفيد [الحاضنة] من كلّ الأخطاء التي ترتكبها حاضنات الأعمال الأخرى وتعمل على إصلاحها"، في حين سيضم البرنامج 50 شركة ناشئة لرواد مغتربين ومحليين ويرعاهم مقابل تكاليف واضحة.

سيارة "إيكو ستاليون"Eco-Stallion ذات الكفاءة في استهلاك الوقود من "الجامعة الأميركية في الشارقة"، هي مثال رئيسي على كيفية تعزيز الرأسمال الطالبي لإمكانات البحث والتطوير في الإمارة. (الصورة من "الجامعة الأميركية في الشارقة")

لمسة إنسانية

ليس من قبيل المصادفة أن يشدّد اللاعبون الأساسيون في المجال الريادي في الشارقة على أهمية الاقتصاد البشري. فالشارقة ذات اقتصاد نامي تجذب الناس أولاً والأعمال التجارية ثانياً، في الوقت الذي يعتبر فيه رأس المال البشري أكبر الأصول الريادية في الإمارة.

يشرح حسين المحمودي، الرئيس التنفيذي في "شركة الأعمال التجارية" في "الجامعة الأميركية في الشارقة" AUS Enterprises التي تتولى تطوير "المنطقة الحرة للبحوث والتقنية والابتكار" RTI، أنّه "لدينا هذا التشبيه هنا: إذا كانت أبوظبي العاصمة، ودبي هي نيويورك، فإنّ الشارقة هي بوسطن. يوجد في الشارقة حوالي 35 ألف طالب جامعة، وألفا حاملٍ لشهادة الدكتوراه، وهذا التركيز في المواهب يمكنه أن يساهم في تطوير البيئة الحاضنة المحلية للشركات الناشئة".

من جهته، يرى عادل بارفيز، مدير التكنولوجيا والإعلام والتواصل في "مونيتور ديلويت"Monitor Deloitte، أنّ الجامعات العالمية التي تقدم برامج في الإعلام والاتصالات في الشارقة على سبيل المثال، لديها فرصة لجذب المواهب وتوفيرها في هذا المجال. ولكنّه يعتبر أنّ "السؤال التالي سيكون كيف يمكن استبقاء هذه المواهب في الشارقة مع وجود مواقع ومنشآت أخرى جذابة مثل "مدينة دبي للإعلام" أو منطقة صانعي الإعلام twofour54.

علاقات مبنيّة على التعاون

لتفادي مقارنتها بالجارين دبي وأبوظبي، تسعى الشارقة لتكون سوقاً محددة تتماشى مع تراثها وقيمها. ويقول بارفيز إنّ "دبي مكان صاخب بعض الشيء، ولكنّ الشارقة تسود فيها العلاقات العائلية أكثر". ويضيف المحمودي أنّه "في حين تريد الشركات الناشئة مكاناً مناسباً من حيث الكلفة للعمل والعيش، يمكن للشارقة أن تشكّل بديلاً عن مدنٍ مثل دبي وأبوظبي".

تلفت المدني إلى أنّ الشارقة تتمتع فعلياً بموقع جغرافي جيد والأسعار فيها معقولة أكثر، وهي مكان مريح للشركات التي تعتمد على التجارة. ولكنّها تؤكّد أيضاً على أهمية الشراكات بين الإمارات – مثل مذكرة التفاهم الأخيرة بين "شروق" و"مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة" Dubai SME.

مذكرة التفاهم بين "شروق" و"مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة"، توفر فرصاً بين الإمارات لرواد الأعمال المحليين. (الصورة من "أخبار الشارقة" Sharjah Update)

تستفيد المدفع من رواد الأعمال الشباب عبر أمور مثل ورش العمل في الجامعات، وتشرح أنّ "مبدأ ‘شراع’ يتمثل أكثر في تأسيس رائد أعمال وليس شركة ناشئة. سوف يذهب الكثير من هؤلاء للانضمام إلى مسرعات أعمال وشركات ناشئة في إمارات أخرى، ولكنّنا نأمل في بقاء قسم منهم في الشارقة".  

في هذا الإطار، يعتمد برنامج المنح الجامعية في الشارقة على جعل الإمارة مركزاً للشركات الناشئة المحلية والعالمية التي تعنى بالبحث والتطوير. وهذا بالضبط ما تنطوي عليه مهمة "المنطقة الحرة للبحوث والتقنية والابتكار" خلال السنوات القليلة المقبلة.

ويشير المحمودي إلى أنّ الشركات التي لديها مكاتب تمثيلية في دبي يمكنها أن تعتمد على الرأسمال البشري الموجود في الشارقة للعمل كواجهة خلفية (backend) للبحث والتطوير للشركات الناشئة في الإمارات. ويشرح أنّه "في الوقت الحالي، يمكن رؤية الكثير من الشركات متعددة الجنسيات ـ على الأقل ذراع البحث والتطوير فيها ـ التي بدأت تتقرّب من الجامعات". وإذ يشير إلى أنّ المناطق الحرة في دبي هي مشاريع عقارية، يكشف المحمودي "أنّ ما نحاول القيام به هو أمر مختلف قليلاً مع تركيز على الأبحاث". ونظراً إلى كونها منطقة حرة تقع بين الجامعات، تركّز "المنطقة الحرة للبحوث والتقنية والابتكار" على ستة قطاعات: تكنولوجيا المياه، وتكنولوجيا الطاقة، والتصميم الصناعي والهندسة المعمارية، والرقمنة، والاستدامة.

كيف يتحقق ذلك

تتشكّل بعض التوجهات تلقائياً، مثل قطاع الأغذية والمشروبات في الشارقة الذي يشهد نهضة منذ خمس سنوات، حيث تتدفق الشركات الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال إلى منطقة المويلح في الإمارة، وفقاً للمدني. "ولكن الآن بدأنا تقسيم المناطق، وكذلك نقسمها بناءً على هذه الأنماط التي لاحظناها".

أما المحمودي فيرى الشارقة محطة للشركات الناشئة من المستوى المتوسط، ويراهن على أنّ هذه الشركات ستصبح شركات كبرى كالتي خرجت من الشارقة، مثل شركة إدارة النفايات "بيئة" Bee’ah، و"العربية للطيران" Air Arabia، والتي تركّز على تلبية حاجات محلّية أولاً، وتوسيع النطاق ثانياً.

وفي إشارة إلى الشركات في الإمارات التي تأسّست بفضل جهود مشتركة بين لاعبين محليين ومستثمرين أجانب، قبل أن تبدأ الإمارات بلعب دور المقر الرئيسي لشركات عالمية كبرى، يشرح المحمودي أنّ الأمر "يتعلّق بابتكار نموذج طبيعي ويلبي السوق المحلية، وهو لا يشبه إنشاء نسخة محلية من وادي السليكون [...] فلدينا النموذج الصحيح منذ 45 عاماً".

ولكن الآن، يضيف المحمودي، "نتكلم عن الابتكار؛ أي بيئة حاضنة للشركات الناشئة يمكنها أن تترك أثراً على الاقتصاد" وتقوم على التعاون مجدداً بين اللاعبين المحليين والعالميين، إضافة إلى توطين المنتجات والخدمات.

تسعى الشارقة إلى الترويج لنفسها لجذب دماء جديدة إليها، وذلك عبر توفير بيئة حاضنة لرواد الأعمال وطريقة عيش مشابهة للإمارات المجاورة، إلى جانب تأمين مساحات العمل المشتركة والإرشاد والتراخيص بكلفة معقولة وتطوير المهارات. وبحسب المدفع، فإنّ "رائد الأعمال يريد أن يكون محاطاً برواد أعمال آخرين، وبالتالي عندما يصبح هناك عدد كبير منهم في الشارقة سيرغب الكثير من الناس في القدوم إلى هنا".
تحت شعار "أرواح ملهمة في مدينة واحدة" One City, Lots of Soul، تريد "الشارقة س" تكوين صورة عن الإمارة كمركز متقدم للشركات الناشئة يراعي الثقافة المحلية. (الصورة من "الشارقة س")

في سياق متّصل، يعتقد بارفيز أنّ "من أبرز الأمور التي تعاني منها في الشارقة على الأرجح ربّما تكون البنى التحتية، مثل زحمة السير والاختناقات المرورية. ونظراً إلى أن الكثير من هذه العوامل لديها تأثير الدومينو، ينبغي على الإمارة أن تكون عملية بما فيه الكفاية وأن تأخذها في الحسبان".

في سياق العمل على الترويج للشارقة، أبرمت "الشارقة س" شراكة مع هيئة السياحة في الإمارة "لكي يرى الناس أنّه يمكنهم المجيء والمرح هنا"، بحسب المدني.

وفي حين يتوجب على الشارقة أن تؤمّن وجود شركات كبرى في نطاقها لكي تجذب رواد الأعمال من المنطقة، تولي الإمارة في الوقت نفسه الأهمية عينها للشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية. فإلى جانب الشركاء الذين عقدت "الشارقة س" اتفاقيات معهم، مثل "لينكدإن" Linkedin و"فوربس" Forbes و"تويتر" Twitter، تكشف المدني أنّ "شركة ’كريم’ Careem كانت من هؤلاء الشركاء الذين وقعنا معهم لأنّنا نؤمن بأنّ [الشركات الصغيرة والمتوسطة] هي عصب الاقتصاد".

بدورها، تلفت المدفع إلى أنّ التركيز على الشركات الكبرى يهدف إلى إرساء سلسلة قيمة value chain من خلال إيصال الفرص إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى رأس المال البشري الذي تؤمّنه الجامعات في الشارقة.

تؤكّد المدفع على أهمية التنسيق مع الهيئات والإدارات العامة منذ البداية، في حين يشدّد بارفيز على أهمية تصدي الشارقة في وقت مبكر لمسائل التخطيط المدني والإشراف على الهيئات الاستثمارية. ويختم حديثه بالقول إنّ "نموذج المركز العالمي يناسب دبي وأبوظبي كثيراً، وأعتقد أنّ ما تحاول الشارقة القيام به هو العمل على إطلاق مبادرات محلية ذات نوعية جيدة".

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.