English

مؤسس 'لينكد إن' يقيّم المشهد الريادي في المنطقة العربية [مقابلة]

English

مؤسس 'لينكد إن' يقيّم المشهد الريادي في المنطقة العربية [مقابلة]

عندما افتتحت "لينكد إن" Linkedin مكتبها الأول في منطقة الشرق الأوسط، كان لديها أكثر من 6 ملايين مستخدم من الدول العربية. أما اليوم، فلديها أكثر من 20 مليون مستخدم باللغتين الإنجليزية والعربية و100 موظف.

وزار الشريك المؤسس للشركة ريد هوفمان الإمارات العربية المتحدة لأول مرة في شباط/فبراير الماضي لحضور القمة العالمية للحكومات في دبي وكان مسروراً بما وجده في هذه المنطقة.

كريستوفر شرودر: كيف تصف زيارتك الأولى للإمارات؟

ريد هوفمان: بفضل أصدقاء من أمثالك وأمثال فادي غندور، وزميليّ في "لينكد إن" فريد كوفمان وعلي مطر، وجميعكم أصحاب خبرة طويلة وعميقة في الإمارات، بقيت على اطّلاع على ما يجري في المنطقة ولطالما شجّعتموني على زيارتها. وسبق أن التقيت العام الماضي، الوزير محمد القرقاوي في وادي السيليكون ومنذ ذلك الحين تربطنا صداقة أيضاً. كان لديّ فكرة عامة عن المنطقة إلاّ أن قدومي شخصيّاً ومعاينة تفاصيل الحركة الريادية فيها عن قرب كان مفيداً جداً لي. وكانت توقعاتي عالية ونجحت دبي في أن تكون بمستوى هذه التوقعات.

شرودر: وكيف ذلك؟

هوفمان: ثمة كليشيه شائع في الغرب يشبّه دبي بـ"لاس فيغاس" إنما من دون الكازينوهات. إلاّ أن هذا التشبيه يغيّب بالكامل الرؤية الاستراتيجية التي تتمتع بها دبي وعملية تنفيذها. لا شك أن المظهر الخارجي لدبي مذهلٌ، إلا أن ما يلفتني أكثر من ذلك هو عزم قادة أعمالها على إنشاء بيئة حاضنة تعزز ريادة الأعمال والنمو السريع، وتحويل دبي إلى مركز يستقطب المهارات من كافة أقطار العالم. فهذا نموذج لا يعني منطقة الشرق الأوسط وحسب إنما كافة الأسواق النامية في العالم.

فمن خلال تسهيل المعاملات القانونية، وتشجيع الاختبار، والسعي لجعل دبي مكاناً يتطلّع الشباب إلى تمضية الوقت والعمل فيه، ينجح هؤلاء القادة في استقطاب خيرة المفكرين وأصحاب المواهب في المنطقة والعالم.

وقد جمعتني لقاءات عشاء معك ومع فادي غندور ومجموعة من الشركات الناشئة إضافة إلى الشركتين المتوسعتين "كريم" Careem للنقل المشترك، و"سوق.كوم" Souq.com الرائدة في التجارة الإلكترونية. تعمل هذه الشركات إلى جانب شركة "بيت أويزيس" Bitoasis على تزويد الأسواق بالبيتكوين Bitcoin. كما قرر عدد من الشركات من بينها المتجر الإلكتروني لبيع الكتب "جملون" Jamalon التوسع إلى دبي بعد أن انطلقت بدايةً من بلدان أخرى في الشرق الأوسط.   

واستمتعت جدّاً بلقاء وزيرة الدولة لشؤون الشباب شمّا سهيل فارس المزروعي مع مجموعة من الشباب والشابات الذين دعتهم إلى مشاركتنا أفكارهم حول المنطقة. وكم سرّني الاستماع إلى وجهات نظرهم باعتباري قادماً من الولايات المتحدة حيث غالباً ما يُنظر إلى الشرق الأوسط من زاوية ضيقة فقط. ولا أعتقد أن عدداً كبيراً من الأميركيين يدركون حجم الحركة والحماسة الريادية التي يتمتّع بها الشباب في هذه المنطقة. كما أني أشكّ أن يكون كثيرون بينهم يعلمون أن ثلث عدد الوزراء في الإمارات نساء وأن رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يتطلّع إلى رفع هذه النسبة إلى النصف من مجموع الوزراء.

واستمتعت كثيراً بالتعرف على جانب من الثقافة الإماراتية حيث لفتني كرم الناس هنا، كما تعرّفت على جزءٍ كبير من تاريخ الإمارات وثقافتها خلال مأدبة إماراتية جمعتني مع نورة الكعبي في أبوظبي، وزيارة مسجد الشيخ زايد الملوكي.
هوفمان مع الوزيرة شمّا والحلقة الشبابية في دبي (الصورة من كريستوفر شرودر)

شرودر: أشعر بالانزعاج عندما يسألني أحدهم "ما هو وادي سيليكون منطقة ما" فبالنسبة لي وادي السيليكون نموذج فريد من نوعه. ولكن على الرغم من الدروس المتعددة التي يمكن استقاؤها منه، هل تعتقد أن البيئات الحاضنة التقنية ستبرز بشكل مختلف وستظهر فرص جديدة تكون هي أيضاً عنواناً للابتكار ولمشاريع شراكة حقيقية؟

هوفمان: أوافقك الرأي إلاّ أن الدروس التي يقدّمها وادي السيليكون بالغة الأهمية. وسبق أن أشرت في محادثة مع زميلي فريد (كوفمان) في المؤتمر إلى أننا في وادي السيليكون نبني منصّات. وأظن أنه من الضروري أن تحرص أي حكومة تستهدف تحقيق النمو على تذكّر ذلك، ولا سيّما الحكومات في الأسواق الناشئة. فما هي المنصات التي تحتاج إلى إنشائها والتي تسمح لعدد متزايد من الأشخاص والمؤسسات بالتواصل والتفاعل مع بعضهم البعض وبشكل مجدي؟ وكيف تبني شبكات تضمن التعاون بين مختلف الأطراف المعنيين وحل المسائل التي تحاول الحكومات الصالحة والمجتمعات السليمة بشكل عام حلّها؟

وعلى سبيل المثال، يحتاج النمو إلى المجازفة ليتحقق إلاّ أن الأكثرية الساحقة من الحكومات تميل إلى معاقبة المجازفة والابتكار ولا سيّما إذا ما كان لها ارتباط بالتكنولوجيا. ولكن لا يمكننا أن نحقق تقدّماً ملحوظاً في النمو والإنتاجية من دون عنصر المجازفة. فغياب المجازفة يعني أنك لم تقم بعمل يختلف بما يكفي عن السائد ويخوّلك بالتالي تحقيق التغييرات الكبيرة التي تطمح إليها.

لذلك لا بد للمناطق والحكومات التي ترغب في تحقيق ذلك النمو الفعال أن تسعى إلى ضمان المجازفة من خلال مقاربة "المحفظة الاستثمارية". فبدلاً من اعتماد استراتيجية صناعية ضخمة واحدة، يمكن الاستثمار في عدد من الاحتمالات مع توقّع عدم نجاح بعضها. أما الاستثمارات التي تنجح أو تظهر عليها إشارات نجاح، فهي التي ينبغي مضاعفة المجازفة فيها.

يشجّع هذا النوع من المجازفة الذكية روّاد الأعمال على ابتكار أفكار أكثر أهمية وإثارة، وكل نجاح يجرّ نجاحاً في نهاية المطاف. فيؤدي نجاح إحدى هذه الاستراتيجيات إلى درّ الأموال ونشوء جيل جديد من روّاد الأعمال المتمرّسين الذين يقومون بدورهم ببناء النسخة الجديدة من الابتكار والنمو.  

وهذا ما يجعلني من أشد المؤيّدين لشركة "إنديفور غلوبال" Endeavor Global وشريكتها المؤسسة ليندا روتنبرغ. ففريق عمل الشركة ابتكر مصطلح "ريادة الأعمال ذات الأثر الشديد" للإشارة إلى عجلة النجاح والتقدم هذه. وغالباً ما يُشار إليها في وادي السيليكون بتعبير "تأثير باي بال" Pay Pal effect. فالأفراد أمثال إيلون ماسك، وبيتر ثيل، وماكس ليفشين، وتشاد هيرلي، وستيف تشين، وجيريمي ستوبلمان، وأنا، حققنا نجاحنا الأول في شركة "باي بال" وانطلقنا من بعدها إلى تأسيس شركات سريعة النمو. وتتكرر هذه الظاهرة بشكل مستمر، بحيث أن الأفراد الذين بدأوا في "لينكد إن" انتقلوا هم أيضاً بعدها إلى إنشاء الجيل المقبل من الشركات الناشئة. وأتوقع أن يظهر في هذه المنطقة يوماً ما تعبير "تأثير سوق.كوم" souq.com effect!

شرودر: أرى من خلال خبرتي الشخصية أن التحديات الثقافية هي في بعض الأحيان من أكبر معوقات النمو في البيئات الحاضنة، وليست قصص احتضان الفشل شائعة هنا بعد بينما تعدّ فطريةً في بيئاتنا الحاضنة.

هوفمان: طبعاً ولكن لا تنسى أننا في وادي السيليكون لا نشجّع الفشل بقدر ما نشجّع التعلّم. فالفشل هو الطريق المؤدي إلى التعلّم. والسؤال الذي أطرحه على روّاد الأعمال دائماً هو ما الذي تعلّمه أو تعلّمته من الأمر الذي فشل أو فشلت فيه؟ والملفت أنه في حين قد يعتبر البعض رائد الأعمال الذي مُنيت جهوده بالفشل من قبل، غير جدير بالثقة، إلا أن العكس هو الصحيح، بحيث أن المراهنة على فرد تعلّم من أخطائه تعتبر مضمونة أكثر. يجب أن تحتفل الثقافة الحيوية لريادة الأعمال بالتعلّم، وأن تتوقّع أن تُمنى الرهانات الجريئة أحياناً بالفشل. ولا يكفي أن تشكّل وجهة النظر هذه شعاراً إنما لا بدّ للمستثمرين من دمجها في عملية تقييمهم لروّاد الأعمال ودعمهم، ولا بدّ للحكومات أن تسنّ قوانين وأنظمة ترعاها.  

شرودر: ما هي العبر الأخرى التي شاركتها مع الناس خلال هذه الزيارة؟

هوفمان: ما يجعل من وادي السيليكون نموذجاً فريداً من نوعه هو تقاطع التكنولوجيا والأعمال فيه وكونه مثال حيّ على أهمية دمج هذين العنصرين من أجل إنشاء شركات ضخمة قابلة للتوسّع ذات نماذج أعمال تحويلية. فوادي السيليكون لا تُعنى بالشركات الناشئة وحسب إنما أيضاً بالشركات القابلة للتوسّع. وقد سادت حكمة تقليدية قبل 20 عاماً فيها مفادها أنه يكفي أن تملك ثقافة تتقبّل المجازفة، ووسائل تكنولوجية متطورة، وتمويلاً ذكياً يغطّي كافة مراحل التأسيس، كي تنشئ شركاتٍ ضخمة. وفي حين تُثبت هذه الوصفة شيئاً فشيئاً نجاحها في أكثر من 20 مكاناً حول العالم، يبقى وادي السيليكون رائداً في تحقيق نتائج ضخمة وعالمية، ذلك لأن شبكة العلاقات فيه تحقّق السرعة في التوسع. وبالنظر إلى أن السرعة عاملٌ حيويٌّ آخر، لفتني خلال لقاءاتي في هذه المنطقة عدد الأفراد في الحكومات والشركات الناشئة الذين هم على بيّنة من أهميتها. ومن المشوّق معرفة وتقييم ما آلت إليه الأمور بعد خمسة أعوام من اليوم ومن قام فعليّاً بالتنفيذ.

شرودر: تبدو متفائلاً.

هوفمان: إنّي فعلاً متفائل.

شرودر: هل ستعاود زيارتك إلى الشرق الأوسط؟

هوفمان: لا شك في أنه ما زال أمامي الكثير لأتعلمه من هذه المنطقة، وآمل بالعودة إليها في وقتٍ قريب.

الصورة الرئيسية من "ويكيميديا كومونز".

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.