English

كيف سيؤثّر تنويع الاقتصاد في السعودية على الشركات الناشئة؟

English

كيف سيؤثّر تنويع الاقتصاد في السعودية على الشركات الناشئة؟

في عام 2016، أحدث وليّ وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، ضجّةً بعدما أعلن عن أنّ المملكة تدرس طرح شركة "آرامكو" Aramco على الاكتتاب العام.

وفي حال بيع 5% من أسهم الشركة الأكثر قيمةً في العالم، يمكن أن تصِل قيمتها السوقية إلى تريليونَي دولار أميركيّ، في حين يتوقّع أن يساهم هذا المبلغ (الناتج عن عملية بيع الـ5% من الأسهم) في ما يصل إلى 60% من التمويل المُراد تخصيصه لدعم ريادة الأعمال والقطاعات الجديدة.

تقضي الخطّة باستخدام عائدات النفط في المستقبل وكذلك عائدات الاكتتاب العام لجعل صندوق الثروة السيادية، أي "صندوق الاستثمارات العامة"Public Investment Fund، بمثابة الصندوق الأكبر في العالم، وكذلك تمويل برامج "رؤية 2030" لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.

كيف سيؤثّر هذا على مشهد الشركات الناشئة المحلّي؟ إليكم ما رأيناه حتّى الآن.

مستثمرون جدد

لدى "صندوق الاستثمارات العامة" تفويض ثنائي لتنويع الاقتصاد السعودي: من جهة، تطوير الاقتصاد المحلّي من خلال الاستثمار في الأعمال السعودية، ومن جهةٍ أخرى تنويع محفظة المملكة الاستثمارية من خلال زيادة استثماراتها في المؤسّسات والشركات الأجنبية التي تستثمر فيها من 5% إلى 50%، بحلول عام 2020.

بدأ "صندوق الاستثمارات العامة" بمعالجة الجزء الثاني من التفويض من خلال إعلاناتٍ كبيرة، مثل شراء حصّة في شركة "أوبر" Uber بقيمة 3.5 مليارات دولار، والشراكة مع "سوفت بنك" Softbank اليابانية لتأسيس صندوقٍ جديد بقيمة 100 مليار دولار، إضافة إلى امتلاك حصّة في موقع التجارة الإلكترونية الجديد، "نون" Noon، والذي أطلق بالشراكة مع محمد العبّار. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت "شركة الاتصالات السعودية" STC التي يمتلك 70% منها "صندوق الاستثمارات العامة"، عن استثمارٍ جديد في شركة "كريم" Careem لطلب السيارات والتي تتّخذ من دبي مقرّاً لها، رافعةً بذلك قيمة هذه الشركة الناشئة إلى أكثر من مليار دولار.

تمثّل هذه الاستثمارات كسراً للتقاليد بالنسبة لـ"صندوق لاستثمارات العامة"، وكذلك ابتعاداً عن الاستثمارات المحافِظة في التكنولوجيات والقطاعات القائمة، لصالح الشركات الناشئة، وإن كان ذلك في شركاتٍ ناشئة عالمية حتّى الآن.

أمّا داخل المملكة، فسوف يستثمر "صندوق الاستثمارات العامة" مباشرةً في البيئة الريادية من خلال صندوقٍ تصل قيمته إلى 1.1 مليار دولار. وهذا الصندوق الذي أُعلِن عنه في شهر آب/أغسطس السابق، مخصّصٌ لمساعدة شركات الاستثمار المخاطر في البلاد على زيادة التمويل للشركات الناشئة السعودية.

فيما تعكس هذه الصناديق إشارةً إيجابية على مدى التزام السعودية في تنمية الشركات الصغيرة والمتوسّطة، غير أنّ الوصول إلى رأس المال لا يزال يمثّل عقبةً أمام الرياديين السعوديين. وقد تواترَت أخبارٌ في تشرين الأول/أكتوبر عن نية "صندوق الاستثمارات العامة" تقليص دوره كمقرِضٍ محلّي، ما قد يُقلق الشركات الصغيرة والمتوسّطة. علماً أنّ القروض المخصّصة لهذه الشركات قد بلغَت في عام 2015 خُمس مجموع القروض، أي ما يفوق 27 مليار دولار.

قيادة مع رؤية

ستُستخدَم أموال النفط أيضاً لتمويل أهداف "رؤية 2030"، وهي أهداف يشكّل أحدها رفع مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسّطة في الناتج المحلّي الإجمالي من 20 إلى 35%.

للبدء في تحقيق أهداف هذه الرؤية، أطلقت المملكة في شهر حزيران/يونيو "برنامج التحول الوطني" NTP التي تضمّ قائمة الأهداف والغايات على مدى السنوات الخمس المقبلة. تهدف هذه الخطّة إلى توفير ما يناهز 450 ألف وظيفة غير حكومية بحلول عام 2020 من خلال تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وزيادة الإنتاج المحلّي في مجموعةٍ من القطاعات، وإجراء التحوّل الرقمي للمنظّمات العامة والخاصة.

يوظّف القطاع العام السعودي في الوقت الحالي ما يصل إلى 70% من القوى العاملة، ما يكلّف الخزينة 45% من الإنفاق الحكومي. وبالتالي إذا أمكن لهذه الخطط أن تفعل ما لم تفعله سابقاتها – مثل تخفيض التوظيف في القطاع العام وتحفيز القطاع الخاص – سيكون ذلك بمثابة نعمةٍ على الاقتصاد السعودي.

يحدّد "برنامج التحول الوطني" عدّة مجالات رئيسية يمكن للمملكة أن تعمل على تحسينها. على سبيل المثال، ستسعى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى التقدّم في تصنيف مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية، وكذلك إلى تحسين قطاع تكنولوجيا المعلومات على نطاقٍ واسع. وستسعى وزارة التجارة والاستثمار إلى "تعزيز ثقافة ريادة الأعمال" عبر طريق توفير أطرٍ تساهم في زيادة أعداد الشركات السعودية من 50 ألفاً إلى 104 آلاف بحلول عام 2020.

وبالنسبة إلى ميزانية "برنامج التحول الوطني" المخصّصة للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسّطة، فإنّها تصل إلى ما يقارب 500 مليون دولار سيتمّ ضخّها في هذه الشركات حتّى عام 2020.

اقتصاد شركاتٍ ناشئة قائم على النفط

كانت الخطط الماضية لتنويع الاقتصاد السعودي قد صبّت في تطوير صناعات نفطية تحويلية مثل الصناعات البتروكيماوية أو المصافي، بدلاً من تطوير قطاعات مختلفة كلّياً. وخطط تنويع الاقتصاد الجديدة تعتمد بحدّ ذاتها على النفط، بخاصّةٍ وأنّ "صندوق الاستثمارات العام" لا يزال يعتمد كلّياً على عائدات النفط على المدى المنظور.

وجاء خبر طرح شركة "أرامكو" على الاكتتاب العام في وقتٍ شهد سعر النفط انخفاضاً إلى أدنى مستوى منذ 10 سنوات، وأصدرت السعودية لسنداتٍ آجلة بقيمة 17.5 مليار دولار، وأصدرت منظّمة "أوبك" OPEC قرارها التاريخي لتعليق إنتاج النفط عند مستوياتٍ معيّنة.

لهذا يَنظُر البعض إلى عملية الاكتتاب العام في شركة "أرامكو" بعين السلبية، أو حتى الذعر، بحجّة أنّ استخدام عائدات النفط لتنويع الاقتصاد لطالما كان أساسياً ضمن خطط المملكة الاقتصادية.

الشركات الصغيرة والمتوسّطة باعتبارها الاقتصاد الجديد

التركيز على الاستفادة من نموّ الشركات الصغيرة والمتوسّطة واستخدامه كحافزٍ لتطوير القطاع الخاصّ وتنويع الاقتصاد، هو خبرٌ أكثر من جيد للشركات الناشئة السعودية. فهو يعكس التزام الحكومة بتحسين الوصول إلى رأس المال، وتحسين مهارات القوى العاملة في إطار السعي لتوفير 3 آلاف فرصة عمل جديدة في الشركات الناشئة بحلول عام 2020.

الدافع الرئيسيّ لهذه المبادرات التي تصبّ في تعزيز نموّ الشركات الصغيرة والمتوسطة، كان وسيبقى يتمحور حول تطوير اقتصاد المعرفة في المملكة. والمؤسّسات مثل "مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية" KACST، و"جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا" KAUST، ستستمرّ بلعب دورٍ رئيسيٍّ في هذه الجهود، سواء من حيث تثقيف الأجيال الجديدة من روّاد الأعمال السعوديين، أو من خلال تشكيل أرض خصبة للابتكار ونقطة محورية لمؤسّسات الدعم وفرص التمويل.

شكّل خبر طرح أسهم شركة "أرامكو" السعودية على الاكتتاب العام مفاجأة للكثيرين في المنطقة، ولكن عندما تُدرَج هذه الشركة في قائمة البورصات حول العالم يمكن أن تعود بفائدةٍ كبيرةٍ على روّاد الأعمال السعوديين.

 الصورة الرئيسية من "ويكيميديا كومونز" Wikimedia Commons. 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.