English

الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب في المنطقة: هل ستحقق الاستدامة؟

English

الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب في المنطقة: هل ستحقق الاستدامة؟

توفر الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب التي أصبحت تُعرف بـ"أوبر فور إكس" Uber for X، خدمات فورية عن طريق إرسال شخص إلى حيث يكون المستخدم. وهذا الشخص قد يكون جليس أطفال، أو اخصائيّ تدليك، أو سائقاً شخصياً، أو عامل نظافة.

يستخدم نموذج الخدمات عند الطلب البنى التحتية المتوفرة مستفيداً في الوقت نفسه من التكنولوجيا. ويمكن للشركات الاعتماد على هذا النموذج لخدمة عملائها الذين لا يمتلكون وقتاً للقيام ببعض المهام، كما توفّر وظائف مدفوعة للكثير من الأشخاص.

"كريم" Careem، الشركة الوحيدة في المنطقة التي تخطّت قيمتها المليار دولار (يونيكورن)، و"فتشر" Fetchr التي ستحذو حذوها قريباً، و"شيف إكستشانج" ChefXchange التي تربط بين محبي الطعام والطهاة، وغيرها من الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب، تقوم بالفعل بإعادة تشكيل سوق العمل والخدمات في المنطقة. ويبدو أنّ هذا التوجّه سيستمرّ: ففي الشهر الماضي، تلقّت منصة التوصيل المصرية "بوسطة" Bosta استثماراً كبيراً من "نمو كابيتال" Numu Capital.

يتوقّع أن يصل حجم اقتصاد الخدمات عند الطلب في الولايات المتحدة إلى 57 مليار دولار في العام 2017، مع حوالي 22 مليون عميل. واليوم، تعمل حوالي 300 شركة ناشئة للخدمات عند الطلب في الولايات المتحدة وحدها. ورغم عدم وجود أرقام دقيقة عن هذا القطاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنّ هذا النوع من الشركات الناشئة ينتشر في السوق ويقدم عروضاً مشابهة أو مماثلة للشركات الأجنبية. 

نهضة المستهلكين من جيل الألفية

يُعتبر المستهلكون أكبر المستفيدين من هذه الطفرة، لأنّه بات في متناول أيديهم الكثير من الخدمات المختلفة، ومنها "ديزاينر 24" Designer 24 التي تمكّنك من استئجار الملابس، أو "إلفس" Elves التي تقدّم مساعداً شخصياً يساعدك في حجز وشراء وطلب كلّ ما تريد تقريباً.

(الصورة من "بيكسيلز" Pexels).

تشهد مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم تغيرات في سلوك المستهلكين، ويرجع ذلك بجزء كبير منه إلى جيل الألفية. يوُقدّر عدد أبناء جيل الألفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحدها بنحو 150 مليون نسمة.

تختلف عادات الاستهلاك الخاصّة بهؤلاء عن عادات الأجيال السابقة، مثل جيل "طفرة المواليد" Baby boomers (أي المولودين بعد الحربين العالمية الثانية بين عامي 1946 و1964) و"الجيل إكس" Generation X (أي المولودين بين أوائل الستينات وأوائل الثمانينات). فأبناء جيل الألفية يفضّلون استئجار الأشياء أكثر من شرائها: السيارات، والمنازل، وتلفزيون الكابل؛ ويُشار إليهم أحياناً باسم جيل المستأجرين.

تتمثّل عقلية الكثير من أبناء جيل الألفية بالتعبير الذي صاغته المتخصّصة بعلم نفس المستهلك، كيت يارو: "أريد ما أريد عندما أريد". ويميل أبناء جيل الألفية إلى السعي وراء الرضا الفوري، كما أنّهم على استعداد لإنفاق المال على توصيل المنتجات في اليوم نفسه أكثر من أي فئة عمرية أخرى.

يتمتع جيل الألفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأعلى نسبة ولاء للعلامات التجارية مقارنةً بنظرائهم في آسيا والغرب، ويبلغ معدل انتشار الهواتف المحمولة بينهم 100% تقريباً، ما يجعلهم هدفاً جذاباً ومربحاً للشركات الناشئة في مجال الخدمات عند الطلب.

ما هي القطاعات الأكثر ربحية؟

يتوقع أن تحقّق قطاعات الخدمات عند الطلب الأكثر ربحاً في أوروبا حوالي 570 مليار يورو (672 مليار دولار أميركي) بحلول العام 2025، وهي تشتمل على الإسكان والنقل من الند للند peer-to-peer، والتمويل التعاوني، بالإضافة إلى الخدمات المنزلية والمهنية.

ويعدّ بعض القطاعات مربحاً لأنّ العملاء، من أجل تأمين الحصول على خدمات هذه القطاعات، يبدون استعداداً لإنفاق المزيد من المال أكثر مما يفعلون عادة. على سبيل المثال، لا يمانع المستهلكون إنفاق حوالي 11% كزيادة على سعر الطعام أو البقالة أو الوجبات الجاهزة كلما كان المنتج ملائماً أكثر. 

في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبح لدى 147 مليون شخص، أو 60% من السكان، إمكانية للوصول إلى الإنترنت، بزيادة قدرها 15% على أساس سنوي. ووفقاً لـ"وي آر سوشال" We Are Social و"هوتسويت" Hootsuite، فإنّ المستهلكين في المنطقة يلجأون بشكل متزايد إلى الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية لتلبية احتياجاتهم اليومية. وتُبيّن الدراسة أنّ 39% من السعوديين قاموا بالشراء عبر الإنترنت، وأنّ 33% منهم استخدموا الهواتف الذكية للقيام بذلك، فيما بلغت النسبتان في الإمارات 62% و47% على التوالي. والشركات الناشئة للخدمات عند الطلب في المنطقة تراقب ذلك عن كثب.

من المهم جذب اهتمام المستثمرين المخاطرين

ينخفض الاستثمار المخاطر في الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب على الصعيد العالمي. فقد شهد الربع الرابع من العام 2016 استثمارات بقيمة 1.7 مليار دولار فقط في 55 شركة ناشئة عالمية للخدمات عند الطلب، بعدما كانت هذه الاستثمارات قد بلغت 3.7 مليار دولار و78 صفقة في الربع الثالث من العام 2015.

الرسم البياني من "سي بي إنسايتس" CB Insights.

في المقابل، تشهد المنطقة تزايداً في الاستثمارات المخاطرة في الشركات الناشئة الإقليمية والدولية للخدمات عند الطلب. فقد استثمرت شركة "أرزان كابيتال" Arzan Capital الكويتية في شركات "كريم"، و"بوكس إت" Boxit (بقيادة "ومضة كابيتال" Wamda Capital)، و"أون فليت" OnFleet. وأظهرت السعودية أيضاً اهتماماً بالفرص الكامنة في اقتصاد الخدمات عند الطلب، حيث استثمر "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي، في العام الماضي، 3.5 مليارات دولار في شركة "أوبر".

لا يجب الاعتماد على أموال المستثمرين المخاطرين وحدها

لدى الاطّلاع على حالات الشركات الناشئة الغربية للخدمات عند الطلب، تلاحظ أنّ الكثير منها لم يصل إلى نموذج أعمال مستدام يغطي نفقاتها ويسمح لها بتحقيق الأرباح، والكثير من هذه النماذج تبقى منتشرة على نحو مصطنع بفضل المستثمرين المخاطرين. وبما أنّ قاعدة عملاء هذه الشركات الناشئة لا تحقق إيرادات كافية لتغطية نفقاتها، فهي تلجأ إلى المستثمرين المخاطرين ليس فقط من أجل الحصول على التمويل اللازم للنمو، بل أيضاً للحصول على مساعدتهم في تغطية نفقاتها.

من الأمثلة على ذلك، شركة "هوم جوي" Homejoy التي تصل العملاء بمقدّمي الخدمات المنزلية مثل عمال التنظيف، وهي أحدث شركات وادي السيليكون. فشلت هذه الشركة بسبب سوء معدّل الاحتفاظ بالعملاء لديها، فالعملاء نادراً ما أعادوا طلب خدمات هذه الشركة بعد انتهاء العرض الترويجي الذي يبلغ سعره 19 دولاراً (التكلفة العادية كانت تبلغ 85 دولاراً لكلّ 2.5 ساعة). وكانت النتيجة أن أهدرت "هوم جوي" 40 مليون دولاراً من مال الاستثمار المخاطر الذي كانت حصلت عليه خلال خمس جولات تمويل طوال مسيرتها، قبل أن تغلق في العام 2015.

وبالتالي، من الضروري للشركة التي تريد البقاء على قيد الحياة أن تقدّم خدمة مطلوبة، وتستخدم الأتمتة (وهي أقل تكلفة) بأقصى ما يمكن، وذلك لضمان الاحتفاظ بالعملاء. وللنجاح في تحقيق ذلك، يجب على الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب في المنطقة أن تسعى إلى الابتكار، وأن تحاول تغيير الأنماط التجارية المعتمدة. وبعد مراقبة كيف تنجح الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب في مناطق أخرى، ينبغي للشركات الناشئة في المنطقة أن تبتكر نماذج أعمال خاصة بها، وعدم الاكتفاء بنسخ نماذج الآخرين.

يقول كلايتون كريستنسن، أحد كبار المفكرين الإداريين العالميين، والأستاذ في كلية إدارة الأعمال في "جامعة هارفرد"، والخبير في الابتكار التغييري، إنّه من أجل أن يكون الابتكار تغييرياً، يجب أن يستهدف العملاء الحسّاسين على الأسعار، بمنتجات أو خدمات رخيصة الثمن يكون أداؤها مقبولاً، أو أن يستهدف غير المستهلكين الذين لا تصلهم المنتجات الحالية.

انطلاقاً من ذلك يبقى السؤال: هل ستسلك الشركات الناشئة للخدمات عند الطلب في المنطقة مسار بعض الشركات الناشئة الغربية التي استمرت في الاعتماد على أموال المستثمرين المخاطرين ومن ثمّ أغلقت عندما جفّت منابع الأموال هذه؟ أو سوف تتمكّن من الابتكار والبقاء على قيد الحياة؟

الصورة الرئيسية من "بيكسيلز".

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.