English

لماذا أقفلت شركة تكتك الأردنية وما تأثير ذلك على قطاع الألعاب الالكترونية

English

لماذا أقفلت شركة تكتك الأردنية وما تأثير ذلك على قطاع الألعاب الالكترونية

 "لقد سرّحت الجميع". هذا ما صرّحه لي غيث قوار بنظرة استسلام تعلو وجهه من تحت نظّاراته المربّعة الداكنة، ونحن نحتسي القهوة في مقهى "ستاربكس" في عبدون، الأردن، الشهر الماضي.

من كان ليتوقّع مصير شركته "تَكتِك جايمز" (TakTek Games) التي كانت منذ ثمانية أشهر في طريقها إلى النجاح، متسلّحةً بأخلاقيّات عمل عالية وصفقة مع "تشيلينجو" (Chillingo)، حتى أنّ التفاؤل دعى إلى التساؤل ما إذا كانت لعبة "ماي ماربلز" (كراتي) ستكون "أنجري بيردز" التالية، أو "بيردي نم نم" مثلاً.

بالنسبة للأخوين المؤسسين يزن وغيث قعور، كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام. إنطلاقًا من شركة التطوير الخاصّة بهما "Zero3 Digital"، نجحا في بناء شركة ابتكار ألعاب أردنيّة 100%، مموّلة محليًّا. وعندما لم يجدا أصحاب المواهب المطلوبة، درّبا مطوّرين على مسؤوليتهما. هي مقاربة اعتمدها أيضًا الاستوديو الأردنيّ لتطوير تطبيقات المحمول "ميس الورد" (Maysalward)، إذ تستثمر الجهود في الأردن في بناء المواهب وتمكينها، في حال غابت القدرات المحليّة. وكما قال غيث في ذلك الوقت: "لا أحد في فريق عملنا يملك شهادة في تطوير الألعاب، لكن كلّ شيء ممكن بفضل الإدارة الحسنة والتوجيه".

عادت تلك الفكرة لتطارد المؤسسين، نظرًا إلى أنّ معظم المطوّرين الذين تدرّبوا على إنتاج "ماي ماربلز" تركوا الشركة سعيًا وراء رواتب أعلى في الخليج. خسرت "تكتك جايمز" أربعة مطوّرين توجهوا الى السعودية ولبنان قبل أن تتمكّن حتى من إتمام لائحة بتعديلات وتطويعات أرسلتها "تشيلينجو" خلال الصيف. أقرّ قعور بأنّ المطوّرين السابقين لديهم "يتقاضون الآن ثلاثة أو أربعة أضعاف الراتب لدينا. نحن حاولنا منح العلاوات السنوية والحصص، لكن في نهاية الأمر، كانوا يريدون المكافآت الفوريّة".

لا يلقي قعور اللوم على المطوّرين بطبيعة الحال، فالبعض متزوّج وعلى عاتقه عائلة، والبعض الآخر ينوي بناء عائلة. كما  لا يعتب قعور على المستثمرين كذلك، ويشرح أنّ "حجاز إنفستمنتس" (Hijaz Investments) و"مستثمر ملاك من العائلة قدّما دعمًا هائلاً. كان جميع المعنيين محبّي الألعاب الإلكترونية والتكنولوجيا، ولا زلنا أصدقاء". العمليّة الحسابيّة بسيطة بالنسبة للمستثمرين، فليس من المنطقيّ إهدار مليون دولار إضافي من أجل توسيع شركة تخسر من طاقمها"، وبحسب قعور، "لن يؤدّي دعم الشركة إلاّ إلى تضخيم المشكلة".

دوّامة الإقفال في الأردن

صحيح أنّ إغلاق "تكتك" يشكّل ضربة موجعة لقطاع الألعاب في الأردن، لكنّها ليست الأولى من نوعها، فشركتي "ويزردز برودكشنز" (Wizard’s Productions) و"أرانيم جايمز" (Aranim Games) بإدارة صاحب الطباع الفريدة سليمان بخيت، بالإضافة إلى شركة "كراون جايمز" (Crown Games)، كلّها انسحبت بهدوء.

التأثير ليس، رغم كلّ شيء، تسلسليًّا، فـ"ويزردز" على سبيل المثال عانت من خسارة أحد المؤسسين ومن صعوبة محدّدة في عمليّة تحوّلها إلى صناعة الإبتكار للمحمول. زاهنت الشركة وقتًا طويلاً على الألعاب أونلاين المتعدّدة المستحدمين، ثم نفذت من المال في عمليّة التحوّل وفشلت في تأمين المزيد من الإستثمارات. نهايةً، أرغمت على الإقفال رغم صفقة مع الناشر الدولي 6waves وقبولها في مؤسسة التسريع "يتيزن" (YetiZen) المتركّزة حول ابتكار الألعاب ومقرّها سان فرانسيسكو. أمّا شركات أخرى على غرار "ميس الورد" (Maysalward) و"بلادكم" (Beladcom) فمستمرّة.

ما حدث لـ"تكتك" يعكس تهديدًا خطيرًا تواجهه الساحة الريادية الأردنية، ألا وهو موارد جيرانها الماليّة. لعلّ اقتناء مكتب دعم في الأردن أمر مستحبّ في الشرق الأوسط، نظرًا إلى أنّ معدّل الرواتب يساوي نصف حجم الرواتب في لبنان وتحديدًا في قطاعي الإبداع والتكنولوجيا، بل يساوي أقلّ بأضعاف بالمقارنة مع بلدان الخليج، بحسب تعبير قعور. 

طلبت الأردن الإنضمام إلى دول تعاون الخليج، ما قد يؤمّن لها دعمًا إقتصاديًّا إضافيًّا من قبل نظيراتها، فيؤدّي على الأرجح خفض الحواجز مع دول الخليج إلى استنزاف أكبر للمواهب.

يتعيّن الآن على شركات تحمّلت عبء صقل المواهب التكنولوجية الأردنية كـ"تكتك" أن تتطلّع نحو حلول بديلة. ويؤكّد قعور "نحن لن نستسلم"، ويفسّر احتمال تشكيل فريق رئيس في عمّان، بالتزامن مع مكاتب تطوير في أسواق أخرى مثل الهند أو أوكرانيا أو كوريا الجنوبية حيث المطوّرون كثر وغير محفّزين على الإنتقال إلى بلد آخر. يضيف قعور متأمّلاً: "ربما نلزّم الأعمال في البداية وربما نتمّلك بعدها الفرع".

يعتقد قعور أنّه لو اختار خفض حجم طموحاته أو عدم ابتكار تطبيقات لـiOS، لكان الأمر أسهل، "ولو أردنا أن ننفّذ شيئًا قام به أحدهم قبلنا، لكنّا وجدنا 50 مطوّر PHP يعملون على تطبيقات أونلاين، لكنّنا سعينا إلى ما هو نادر، أي استخدام برمجيّات سي-الكائنية (Objective C)" أو ربما بالغنا؟" لكن، أليس ذلك المطلوب من مؤسس شركة ناشئة تكنولوجية جيّدة؟

نصيحة إلى الشركات الناشئة الأردنية

إنطلاقًا من خبرته، يحمل قعور بعض النصائح المفيدة لمؤسسي الشركات الناشئة في الأردن. أوّلاً، كنْ واقعيًّا. "من الواضح أنّ المبادرين التكنولوجيين المتخرّجين حديثًا من الجامعة مصمّمون على بناء منتجات يأملون بيعها بعد بضعة سنوات. أنا بنفسي ركبت الموجة واندفعت في التيار مثل كثيرين، ثم وعيت أنّي عاجز عن إيجاد ثلاثة مطوّري iOS". فلا بأس إن أردت ابتكار الـ"أمازون" الجديد، بالنسبة لقعور، لكن تذكّر أنّ العمليّة تطلّبت عشر سنوات... وفي سوق متطوّرة.

ثانيًا، إذا كنت تنوي تأسيس شركة تقنية، ليكن معك شريك مؤسس يملك معرفة هندسيّة. يخطّط قعور وفريقه في المشروع القادم لتمكين القدرات داخل الفريق القائم بدل التوظيف، وذلك من أجل تعزيز الإحتفاظ بالموظفين الحاليين.

ثالثًا وأخيرًا، يتجلّى ما يخفى في الكلمات: تحلّى بالمقاربة الإستراتيجية وبالتركيز وربما بأعمال أساسية أكثر ميلاً إلى التقليدية، فشركة Zero3 كانت تدرّ الأرباح قبل تفرّعها إلى مجال تصميم الألعاب.

لا شكّ أنّ أيّ منتج سيبتكره الأخوان قعور في المستقبل القريب سيكون متينًا محصّنًا أكثر من "تكتك". في تلك الأثناء تطلق زوجة غيث شركة طباعة كتب تصويرية إسمها "تشيزو" (Cheezu)، ولا زالت Zero3 تسدّد الفواتير، أمّا قعور وشركاؤه فعادوا إلى مطابخ الشركة لإعداد المشروع التالي.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.